صفحة جزء
فصل

والواجب في الفطرة صاع من البر أو الشعير ، أو دقيقهما وسويقهما ، والتمر والزبيب ، ومن الأقط في إحدى الروايتين ، ولا يجزئ غير ذلك إلا أن يعدمه فيخرج مما يقتات عند ابن حامد ، وعند أبي بكر يخرج ما يقوم مقام المنصوص ، ولا يخرج حبا معيبا ولا خبزا ، ويجزئ إخراج صاع من أجناس ، وأفضل المخرج التمر ، ثم ما هو أنفع للفقراء بعده ، ويجوز أن يعطي الجماعة ما يلزم الواحد ، والواحد ما يلزم الجماعة .


فصل

( والواجب في الفطرة صاع ) بصاع النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ وهو أربع حفنات بكفي رجل معتدل القامة ، وحكمته كفاية الصاع للفقير في أيام العيد ( من البر أو الشعير ) إجماعا ( أو دقيقهما وسويقهما والتمر والزبيب ) إجماعا ( ومن الأقط ) وهي شيء يعمل من اللبن المخيض ، وقيل : من الإبل فقط ( في إحدى الروايتين ) هذا المذهب جزم به أكثر الأصحاب لما روى أبو سعيد الخدري قال : " كنا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صاعا من طعام ، أو صاعا من شعير ، أو صاعا من تمر ، أو صاعا من زبيب ، أو صاعا من أقط " متفق عليه . وصريحه [ ص: 395 ] إجزاء الدقيق ؛ وهو الطحين ، والسويق ؛ وهو قمح أو شعير يقلى ثم يطحن ، نص عليه ، واحتج بزيادة انفرد بها ابن عيينة من حديث أبي سعيد : " أو صاعا من دقيق " قيل لابن عيينة : إن أحدا لا يذكره فيه ، قال : بل هو فيه ، رواه الدارقطني . قال المجد : بل أولى بالإجزاء ، لأنه كفي مؤنته ، كتمر نزع حبه ، ويعتبر صاعه بوزن حبه ، نص عليه ، ليفرق الأجزاء بالطحن ، وظاهره يجزئ بلا محل ، وفيه وجه ، كما لا يكمل تمر بنواه المنزوع ، وعنه : لا يجزئ فيهما ، اختاره صاحب " الإرشاد " ، و " المحرر " في السويق ؛ لأن الزيادة أنكرت على سفيان فتركها ، وفي كلام المؤلف نظر ؛ لأنه لو قد ذكر التمر والزبيب والأقط لرجع الخلاف إلى ذلك ، والثانية : لا يجزئ الأقط ، اختاره أبو بكر ؛ لأنه جنس لا تجب فيه الزكاة ، فلا يجزئ ، وإن وجد غيره ، وخصصه الخرقي بأهل البادية نظرا إلى الغالب ، فعلى الأول هو أصل بنفسه ؛ وهو طريق الأكثر ، وفي اللبن غير المخيض والجبن أوجه ثالثها : يجزئ اللبن فقط ، ورابعها : يجزئان مع عدم الأقط ، ويحتمل أنه يجزئ الجبن لا اللبن وحده ؛ لأنه بلغ حالة الادخار ، وظاهره أنه لا يجزئ نصف صاع من بر ، نص عليه ، لحديث أبي هريرة : " أو صاع من قمح " وهو من رواية سفيان بن حسين عن الزهري ، وليس بالقوي ، واختار الشيخ تقي الدين الإجزاء ، وأنه قياس المذهب في الكفارة ، ويقتضيها ، نقله الأثرم ، وفيه شيء ؛ لأن في رواية الأثرم : " صاع من كل شيء " ولأحمد وغيره من حديث الحسن عن ابن عباس : " نصف صاع من بر " وفيه مقال ، لأن الحسن لم يسمع منه ، قاله ابن المديني وابن معين ( ولا يجزئ غير ذلك ) [ ص: 396 ] أي الأصناف المذكورة مع قدرته على تحصيلها كالدبس ، والمصل ، وقيل : يجزئ كل مكيل مطعوم ، واختار الشيخ تقي الدين : يجزئ قوت بلده مثل الأرز ، ونحوه ، وأنه قول أكثر العلماء ؛ لقوله تعالى : من أوسط ما تطعمون أهليكم [ المائدة : 89 ] وجزم به ابن رزين ، ( إلا أن يعدمه فيخرج مما يقتات عند ابن حامد ) كلحم ولبن ، وقيل : لا يعدل عنهما ؛ لأن المقصود من المنصوص عليها الاقتيات ، وحصول الغنى عن الطلب ؛ وهو حاصل بذلك ، ( وعند أبي بكر ) وهو أشبه بكلام أحمد ، وظاهر الخرقي ، وقدمه الشيخان في " الكافي " ، و " المحرر " ، وجزم به في الوجيز ، ( يخرج ) صاعا ( مما يقوم مقام المنصوص ) من كل حبة كذرة ودخن أو ثمر يقتات كتين يابس ونحوه ، ولأنها أشبه بالمنصوص عليها ، فكانت أولى ، زاد بعضهم : بالبلد غالبا ، وقيل : يجزئ ما يقوم مقامها ، وإن لم يكن مكيلا ، ولا يخرج حبا معيبا كمسوس ومبلول ؛ لقوله تعالى : ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون [ البقرة : 267 ] ولأن السوس يأكل جوفه ، والبلل ينفخه ، والمخرج بصاع منه ليس هو الواجب شرعا ، وإن خالط الجيد ما يجزئ ، فإن كثر لم يجزئه ، وإن قل زاد بقدر ما يكون المصفى صاعا ؛ لأنه ليس عيبا لقلة مشقة تنقيته ، قال : أحب تنقية الطعام ، وحكاه عن ابن سيرين ليكون أكمل ( ولا خبزا ) ؛ لأنه خرج عن الكيل والادخار ، وفيه شبه بإخراج القيمة ، وقال ابن عقيل : يجزئ ، ( ويجزئ إخراج صاع من أجناس ) نص عليه ؛ لأن كلا منها يجوز منفردا ، وكذا مع غيره لتفاوت مقصودها أو اتحاده ، وقاسه في " المغني " ، و " الشرح " على فطرة عبد مشترك إذا أخرج كل واحد من جنس ، وفي " الفروع " يتوجه [ ص: 397 ] تخريج في الكفارة ، لا تجزئ لظاهر الأخبار إلا أن يقول بالقيمة ( وأفضل المخرج التمر ) مطلقا ، نص عليه ؛ لفعل ابن عمر . رواه البخاري ، وقال له أبو مجلز : إن الله قد أوسع ، والبر أفضل ، فقال : إن أصحابي سلكوا طريقا ، فأنا أحب أن أسلكه . رواه أحمد ، واحتج به ، ولأنه قوت وحلاوة ، وأقرب تناولا ، وأقل كلفة ، ولا عبرة بموزونه ، بل يحتاط في الثقيل ليسقط الفرض ( ثم ما هو أنفع للفقراء بعده ) إذ القصد الاقتيات ، وحصول الإغناء به عن الطلب ، لكن جزم في " المغني " ، و " الشرح " ، و " الوجيز " أن الأفضل بعد التمر البر ، فيحتمل أن يكون مرادا هنا ؛ لأن الاعتماد في تفضيل التمر اتباع الصحابة وسلوك طريقتهم ، ولهذا قال أبو مجلز : والبر أفضل ، وأقره عليه ؛ لأنه أنفع في الاقتيات ، وأبلغ في دفع حاجة الفقير ، وقيل : الزبيب جزم به أبو الخطاب ، وعزاه ابن المنجا للأصحاب ؛ لمشاركته له في القوت والحلاوة ، وفي " المحرر " : أفضلها التمر ثم الزبيب ثم البر ثم الشعير ثم الأقط ، وعنه : الأقط أفضل لأهل البادية إن كان قوتهم ، وقيل : ما كان أغلى قيمة ، وأكثر نفعا ، ( ويجوز أن يعطي الجماعة ما يلزم الواحد ) لا نعلم فيه خلافا ، إذا أعطى من كل صنف ثلاثة ؛ لأنه دفع الصدقة إلى مستحقها ، ( والواحد ما يلزم الجماعة ) نص عليه ، لأنها صدقة لغير معين ، فجاز صرفها إلى واحد كالزكاة ، والأفضل أن لا ينقص الواحد عن مد بر أو نصف صاع من غيره ، وعنه : الأفضل تفرقة الصاع ، جزم به جماعة للخروج من الخلاف ، وعنه : الأفضل أن لا ينقص الواحد عن صاع للمشقة ، ويصرف في أصناف الزكاة لا في غيرهم ، وفي " الفنون " [ ص: 398 ] عن بعض أصحابنا : تدفع إلى من لا يجد ما يلزمه ، وقال الشيخ تقي الدين : لا تدفع إلا لمن يستحق الكفارة ؛ وهو من يأخذ لحاجته ، لا في المؤلفة والرقاب ، وغير ذلك .

فرع : إذا دفعها إلى مستحقها ، فردها إليه عن نفسه ، أو جمعت عند الإمام فقسمها على أهل السهمان ، فعاد إلى إنسان ذلك ، جاز أشبه ما لو عادت إليه بميراث ، وقال أبو بكر : مذهب أحمد أنه لا يحل له أخذها ؛ لأنها طهرة ، فلم يجز له أخذها لسواها ، لحديث عمر - رضي الله عنه - .

التالي السابق


الخدمات العلمية