صفحة جزء
[ ص: 399 ] باب إخراج الزكاة

لا يجوز تأخيرها عن وقت وجوبها مع إمكانه إلا لضرر ، مثل أن يخشى رجوع الساعي عليه ، ونحو ذلك ، فإن جحد وجوبها جهلا ، عرف ذلك ، فإن أصر كفر ، وأخذت منه ، واستتيب ثلاثا ، فإن لم يتب قتل ، ومن منعها بخلا بها أخذت منه وعزر ، فإن غيب ماله أو كتمه ، أو قاتل دونها ، وأمكن أخذها أخذت من غير زيادة ، وقال أبو بكر : يأخذها وشطر ماله ، فإن لم يمكن أخذها استتيب ثلاثا ، فإن تاب وأخرج وإلا قتل ، وأخذت من تركته .

وقال بعض أصحابنا : إن قاتل عليها كفر ، وإن ادعى ما يمنع الوجوب من نقصان الحول أو النصاب ، أو انتقاله عنه في بعض الحول ، قبل قوله بغير يمين ، نص عليه .


باب إخراج الزكاة

لا يجوز تأخيرها عن وقت وجوبها مع إمكانه ، أي : مع القدرة ، نص عليه ؛ لقوله تعالى : وآتوا حقه يوم حصاده [ الأنعام : 141 ] والمراد الزكاة ، والأمر المطلق للفور ، بدليل أن المدخر مستحق العقاب ، ولو جاز التأخير لكان إما إلى غاية ؛ وهو مناف للوجوب ، وإما إلى غيرها ، ولا دليل عليه ، بل إلى سقوطها إما بموته أو تلف المال ، ليتضرر الفقير ، فيختل المقصود من شرعها ؛ ولأنها للفور بطلب الساعي ، فكدين بطلب الله تعالى لعين مغصوبة ، وفي " المغني " ، و " الشرح " لو لم يكن الأمر للفور لقلنا به هنا ؛ ولأنها عبادة تكرر ، فلم يجز تأخيرها إلى دخول وقت مثلها كالصلاة ، وقيل : لا يلزمه على الفور لإطلاق الأمر كالمكان ، وعلى الأول : إذا تلف المال أو بعضه لتعديه ، وظاهره أنه إذا لم يمكنه الإخراج كمن منع من التصرف من ماله أو لم يجد المستحق أو كان ماله غائبا ونحوه ، فيجوز له التأخير ، وكلامه مشعر بجواز تأخيرها وقت وجوبها ؛ وهو كذلك بلا نزاع إلا لضرر ، فيجوز له تأخيرها ، نص عليه ، مثل أن يخشى رجوع الساعي عليه إذا أخرجها هو بنفسه ( ونحو ذلك ) كما إذا خاف على نفسه أو ماله ، لما في ذلك من الضرر ، وإذا جاز تأخير دين الآدمي فهي أولى ، ويجوز تأخيرها لحاجة المالك إليها ، نص عليه ، ولمن حاجته أشد ، نقله يعقوب ، وقيدها جماعة بزمن يسير للحاجة ، وإلا لم يجز ترك واجب لمندوب ، وظاهر كلام جماعة المنع ، وكذا يجوز تأخيرها لقريب في الأشهر ، [ ص: 400 ] وجار ، ولم يذكره الأكثر ، وعنه : له أن يعطي قريبه كل شهر شيئا ، وحمله أبو بكر على تعجيلها ، قال المجد : هو خلاف الظاهر ، وينبغي أن يقيد الكل ما لم يشتد ضرر الحاضر .

فرع : يجوز للإمام والساعي تأخيرها عند ربها ، لعذر قحط ونحوه ، احتج أحمد بفعل عمر ( فإن جحد وجوبها جهلا ) به ، ومثله يجهله لقريب العهد بالإسلام ، والناشئ ببادية بعيدة يخفى عليه ( عرف ذلك ) أي : عرف وجوبها ليرجع عن الخطأ ، ولم يحكم بكفره ؛ لأنه معذور ، ( فإن أصر ) أو كان عالما به ( كفر ) إجماعا ؛ لأنه مكذب لله ولرسوله ، وظاهره ولو أخرجها ، ( وأخذت منه ) لوجوبها قبل كفره ، فلم يسقط به كالدين ، قال في " الفروع " : إن كان وجبت ولا تحتاج إليه ؛ لأنها مفروضة فيه ( واستتيب ثلاثا ) كالمرتد ، ( فإن لم يتب قتل ) لقوله - عليه السلام - : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة " ، وقال أبو بكر : لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة . متفق عليهما ، ( ومن منعها بخلا بها ) أو تهاونا أخذت منه قهرا كدين الآدمي ، وكما يؤخذ منه العشر ؛ ولأن للإمام طلبه به ، فهو كالخراج ، بخلاف الاستنابة في الحج ، والتكفير بالمال ، وظاهره أنه لا يحبس حتى يؤدي لعدم النية في العبادة من الممتنع ، ( وعزر ) لتركه الواجب عليه ؛ ولأنها معصية لا حد فيها ، ولا كفارة ، والمراد : إذا كان عالما بتحريم ذلك ، وقيل : إن كان ماله باطنا عزره إمام أو محتسب ، وذكر القاضي ، وابن عقيل : إن فعله لفسق الإمام ؛ لكونه لا يضعها موضعها ، لم يعزره ، وجزم به [ ص: 401 ] جماعة ، فإن غيب ماله أو كتمه ، أي : غله ( أو قاتل دونها ، وأمكن أخذها ) فإن كان في قبضة الإمام ( أخذت ) الزكاة ( من غير زيادة ) عليها ، وهو قول أكثر العلماء ؛ لأن الصديق مع الصحابة لما منعته العرب الزكاة ، لم ينقل أنه أخذ منهم زكاة عليها ، ولأنه لا يزاد على أخذ الحقوق من الظالم ، وكسائر الحقوق ، وعنه : تؤخذ منه ، ومثلها ، ذكرها ابن عقيل ، وقاله في " زاد المسافر " تغليظا عليه ، وقال أبو بكر : يأخذها ، وشطر ماله ، أي : مع نظير ماله الزكوي ، وهذا رواية وقدمها الحلواني ، لما روى بهز بن حكيم عن أبيه عن جده مرفوعا : " في كل إبل سائمة في كل أربعين بنت لبون ، لا تفرق إبل عن حسابها ، من أعطاها مؤتجرا فله أجرها ، ومن منعها ، فإنا آخذوها وشطر إبله عزمة من عزمات ربنا ، لا يحل لآل محمد منها شيء " رواه أحمد ، والنسائي ، وأبو داود . وقال : شطر ماله ؛ وهو ثابت إلى بهز ، وقد وثقه الأكثر ، وجوابه بأنه كان في بدء الإسلام ، حيث كانت العقوبات في المال ، ثم نسخ ؛ لأن ظاهره إيجاب بنت لبون من كل أربعين مطلقا ، والمستقر عليه في النصب والأسنان حديث الصديق ، وفيه : " ومن سئل فوق ذلك فلا يعطه " قال في " الشرح " : وانعقد الإجماع على ترك العمل به في المانع غير الغال ، وليس كذلك ، ( فإن لم يمكن أخذها ) بالتعذيب أو غيره ( استتيب ثلاثا ) ؛ لأنها من مباني الإسلام ، فيستتاب تاركها كالصلاة ، فإن تاب وأخرج ، وإلا قتل إذا لم يتب ؛ لاتفاق الصحابة على قتال مانعها ، ( وأخذت من تركته ) من غير زيادة ؛ لأن القتل لا يسقط دين الآدمي ، فكذا الزكاة ، وإذا قتل ، فيكون حدا على الأصح ؛ لظاهر الكتاب والسنة ، [ ص: 402 ] ولأنه لا تسبى لهم ذرية ؛ لأن الجناية من غيرهم ، وظاهره أنه لا يكفر بمقاتلة الإمام له في ظاهر المذهب ؛ لأن الصحابة لم يعتقدوا كفرهم حين امتنعوا ، ( وقال بعض أصحابنا : إن قاتل عليها كفر ) ؛ لقوله تعالى : فإن تابوا الآية [ التوبة : 5 ] ولأن أبا بكر لما قاتلهم قالوا : نؤديها ، قال : لا أقبلها حتى تشهدوا أن قتلانا في الجنة ، وقتلاكم في النار . ولم ينقل عن أحد من الصحابة إنكاره ، فدل على كفرهم ، قال ابن مسعود : وما تارك الزكاة بمسلم ، وجوابه بأنه يحتمل أنهم جحدوا وجوبها ، ويحتمل غير ذلك ، فلا يجوز الحكم به في محل النزاع ، ولا يلزم من الحكم بالنار الحكم بالكفر ، بدليل العصاة من هذه الأمة ، وقال القاضي : الصحيح من المذهب أنه لا يكفر بترك شيء من العبادات سوى الصلاة لتعذر النيابة فيها ، والمقصود الأعظم من الزكاة دفع حاجة الفقير ؛ وهو حاصل بأدائها مع القتال ، ( وإن ) طولب بالزكاة فادعى أداءها ( أو ادعى ما يمنع الوجوب من نقصان الحول أو النصاب ، أو انتقاله عنه في بعض الحول ) بأن قال : بعته ثم اشتريته ( قبل قوله ) ؛ لأن الأصل براءة ذمته ( بغير يمين ، نص عليه ) وظاهره : لا يشرع ، نقل حنبل : لا نسأل المتصدق عن شيء ، ولا نبحث ، إنما نأخذ ما أصابه مجتمعا ؛ ولأنها عبادة مؤتمن عليها ، فلا يستحلف كالصلاة والكفارة ، بخلاف الوصية للفقراء بمال ، وقال ابن حامد : يستحلف في ذلك كله ، وفي " الفروع " يتوجه احتمال إن اتهم ، وفي " الأحكام السلطانية " إن رأى العامل أن يستحلفه فعل ، وإن نكل لم يقض عليه بنكوله ، وقيل : بلى ، وكذا الحكم إن مر بعاشر ، وادعى أنه عشره آخر .

[ ص: 403 ] فرع : إذا أقر بقدر زكاته ، ولم يذكر قدر ماله صدق ، ويجري الخلاف السابق في اليمين .

التالي السابق


الخدمات العلمية