صفحة جزء
[ ص: 410 ] فصل

ويجوز تعجيل الزكاة عن الحول إذا كمل النصاب ، ولا يجوز قبل ذلك ، وفي تعجيلها لأكثر من حول روايتان ، وإن عجلها عن النصاب وما يستفيده أجزأ عن النصاب دون الزيادة . وإن عجل عشر الثمرة قبل طلوع الطلع والحصرم لم تجزئه ، وإن عجل زكاة النصاب وتم الحول وهو ناقص قدر ما عجله جاز ، وإن عجل زكاة المائتين فنتجت عند الحول سخلة لزمه شاة ثالثة ، وإن عجلها ، فدفعها إلى مستحقها ، فمات أو ارتد ، أو استغنى ، أجزأت عنه ، وإن دفعها إلى غني فافتقر عند الوجوب لم تجزئه ، وإن عجلها ثم هلك المال قبل الحول لم يرجع على المسكين ، وقال ابن حامد : إن كان الدافع الساعي أو أعلمه أنها زكاة معجلة ، رجع عليه .


فصل

( ويجوز تعجيل الزكاة عن الحول إذا كمل النصاب ) جزم به الأصحاب لما روى علي بن أبي طالب : " أن العباس سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - في تعجيل صدقته قبل أن تحل ، فرخص له في ذلك " رواه أحمد ، وأبو داود ، وقد تكلم في إسناده ، وذكر أبو داود أنه روي عن الحسن بن مسلم مرسلا ، وأنه أصح ، ولأنه حق مال أجل للرفق ، فجاز تعجيله قبل أجله كالدين ، ونقل جماعة : لا بأس به ، قال الأثرم : هو مثل الكفارة قبل الحنث ، فيصير من تقديم الحكم بعد وجود سببه ، وقبل وجود شرطه ، وفي كلام القاضي ، والمجد أنهما سببان ، فقدم على أحدهما ، وفي كلام المؤلف شرطان ، وظاهر كلامهم أن ترك التعجيل أفضل ، وفي " الفروع " ، ويتوجه احتمال : تعتبر المصلحة ، ولا خلاف عندنا أنه يجوز تقديمها بعام واحد ، ويستثنى منه ولي رب المال ، فإنه ليس له تعجيلها في وجه ، ( ولا يجوز قبل ذلك ) ، أي : قبل كمال النصاب بغير خلاف نعلمه ، قاله في " المغني " ؛ لأنه سببها ، فلم يجز تقديمها عليه ، كالتكفير قبل الحلف ، ( وفي تعجيلها لأكثر من حول روايتان ) أطلقهما تبعا لأبي الخطاب ، إحداهما : لا يجوز ، جزم به في " الوجيز " ؛ لأن النص لم يرد بتعجيلها لأكثر من حول ، فاقتصر عليه ، والثانية : يجوز ، قدمه في " الفروع " ؛ لأن في حديث عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " أما العباس ، فهي علي ، ومثلها معها " متفق عليه ، وكتقديم الكفارة قبل الحنث بأعوام ، لكن قيدها ابن [ ص: 411 ] الزاغوني والمجد بعامين ، ونص أحمد ، ويرد عليه نقل الأولى : لا يجوز لثلاثة أعوام فأكثر ، قال ابن عقيل : لا تختلف الرواية فيه اقتصارا على ما ورد ، وعنه : يجوز لما سبق ، وإذا قلنا : تعجل لعامين ، فعجل عن أربعين شاة شاتين في غيرها ، جاز ، وفيهما لا يجوز عنهما ، وينقطع الحول ، وإن عجل واحدة منها ، وأخرى من غيرها ، جاز ، جزم به في " منتهى الغاية " ، وقال المؤلف : يجزئ واحدة عن الحول الأول .

( وإن ) ملك نصابا ( ثم عجلها عن النصاب ، وما يستفيده أجزأ عن النصاب ) لما تقدم ( دون الزيادة ) نص عليه ؛ لأنه عجل زكاة ما ليس في ملكه ، فلم يوجد السبب كما في النصاب الأول ، وعنه : يجزئ عنها لوجود سبب الزكاة في الجملة ، وفي " الفروع " يتوجه منها احتمال تخريج يضمه إلى الأصل من حول الوجوب ، فكذا من التعجيل ، واختار في " الانتصار " يجزئ عن المستفاد من النصاب فقط ، وقيل به إن لم يبلغ المستفاد نصابا ؛ لأنه يتبعه في الوجوب والحول كموجود ، وإذا بلغه استقل بالوجوب في الجملة لو لم يوجد الأصل ، ولو عجل عن خمس عشرة ، وعن نتاجها بنت مخاض فنتجت مثلها ، فالأشهر : لا تجزئه ، وتلزمه بنت مخاض . وهل له أن يرتجع العجلة ؛ على وجهين . فإن جاز فأخذها ثم دفعها إلى الفقير ، جاز ، وإن اعتد بها قبل أخذها فلا ؛ لأنها على ملك الغير ، ولو عجل مسنة عن ثلاثين بقرة ونتاجها ، فالأشهر : لا تجزئه عن الجميع ، بل عن ثلاثين ، وليس له ارتجاعها ، ويخرج للعشر ربع مسنة ، وعلى قول ابن حامد : يخير بين ذلك وبين ارتجاع المسنة ، ويخرجها أو غيرها عن الجميع ، ولو عجل عن أربعين شاة شاة ، [ ص: 412 ] ثم أبدلها مثلها أو نتجت أربعين سخلة ثم ماتت الإناث أجزأ العجل عن البدل وعن السخال ، لأنها تجزئ مع بنات الأمات عن الكل ، فعن أحدهما أولى ، وذكر أبو الفرج وجها : لا تجزئ ؛ لأن التعجيل كان لغيرها ( وإن عجل عشر الثمرة قبل طلوع الطلع والحصرم لم تجزئه ) ؛ لأنه تقديم لها قبل وجود سببها ، وظاهره أنه إذا عجلها بعد الطلوع أنها تجزئ ، واختاره أبو الخطاب ، وقدمه في " الفروع " لأن وجود ذلك كالنصاب ، والإدراك كالحول ، وحكم الزرع كذلك ، وقيل : يجوز بعد ملك الشجر ، ووضع البذر في الأرض ؛ لأنه لم يبق للوجوب إلا مضي الوقت عادة ، كالنصاب الحولي ، واختار في " الانتصار " ، و " منتهى الغاية " أنه لا يجوز حتى يشتد الحب ، ويبدو صلاح الثمرة ؛ لأنه السبب ، ( وإن عجل زكاة النصاب ، وتم الحول ؛ وهو ناقص قدر ما عجله جاز ) ؛ لأن ما عجله حكمه حكم الوجود في ملكه حقيقة أو تقديرا ، ولهذا يتم به النصاب ، ويجزئه عن ماله ، وقال أبو حكيم : لا يجزئه ، ويكون نفلا ، ويكون كتالف ، فعلى الأول : لو ملك مائة وعشرين شاة ، ثم نتجت قبل الحول وأخذه ، لزمه شاة أخرى ، وعلى الثاني : لا ، وظاهره أنه إذا نقص أكثر مما عجله أنه يخرج بذلك عن كونه سببا للزكاة ، فإذا زاد بعد ذلك إما بنتاج ، أو شراء ما يتم به النصاب ، استؤنف الحول من حين كمل النصاب ، ولم يجزئه ما عجله ، ذكره في " الشرح " ( وإن عجل زكاة المائتين فنتجت عند الحول سخلة لزمه شاة ثالثة ) لما ذكر من أن المعجل حكمه كالموجود ، فيكون ملكه مائتين وواحدة ، وفرض ذلك ثلاث شياه ، فإذا أدى اثنتين بقي عليه واحدة ، فلو نتج المال ما يغير الفرض ، كتبيع عن ثلاثين بقرة فنتجت عشرا فقيل : لا يجزئه المعجل لشيء ليتبين أن الواجب غيره ، وهل [ ص: 413 ] له ارتجاعه ؛ فيه وجهان ، وقيل : يجزئه عما جعله عنه ، ويلزمه للنتاج ربع مسنة ، لئلا يمتنع المالك من التعجيل غالبا ( وإن عجلها فدفعها إلى مستحقها فمات ) قابضها ( أو ارتد أو استغنى ) من غيرها قبل الحول ( أجزأت عنه ) في الأصح كما لو استغنى منها ، أو عدمت عند الحول ؛ لأنه يعتبر وقت القبض ، ولئلا يمتنع التعجيل ، وفهم منه أنه إذا بقي على صفة الاستحقاق عند تمام الحول الإجزاء من باب أولى ( وإن دفعها إلى غني فافتقر عند الوجوب لم يجزئه ) ؛ لأنه لم يدفعها إلى مستحقها ، أشبه ما لو لم يفتقر ، ( وإن عجلها ثم هلك المال ) أي : النصاب أو بعضه ، أو مات المالك أو ارتد ( قبل الحول ) فقد بان أن المخرج ليس بزكاة ؛ لانقطاع الوجوب بذلك ، فإذا أراد الوارث الاحتساب بها عن زكاة حوله لم يجز ، وذكر القاضي وجها : يجوز بناء على ما لو عجل عن عامين ، والفرق أن التعجيل وجد من نفسه مع حول ملكه ، وهنا أخرجها غيره عن نفسه بلا ولاية ولا نيابة فلم يجز ، ( ولم يرجع على المسكين ) في رواية ذكرها أبو الحسين ، واختارها أبو بكر وغيره ، قال القاضي : وهي المذهب ، وجزم بها في " الوجيز " لأنها وقعت إلى مستحقها فلم يملك استرجاعها لوقوعها نفلا ، بدليل ملك الفقير لها ، وظاهره : لا فرق بين إعلام الآخذ أنها معجلة أو لا ، والثانية : يملك الرجوع فيه ، اختارها ابن حامد ، وابن شهاب ، وأبو الخطاب ، كما لو عجل الأجرة ثم تلف المأجور ، وكعتقه عن كفارة لم تجب ، فلم تجب كما لو كانت بيد الساعي عند التلف وبين جماعة عليها إن كان الدافع ولي رب المال رجع مطلقا ، وإن كان رب المال ، ودفع إلى الساعي مطلقا ، رجع فيها ما لم يدفعها إلى الفقير ، وإن كان دفعها إليه فهو كما لو دفعها إليه رب المال ( وقال ابن حامد : إن كان الدافع الساعي ) رجع مطلقا [ ص: 414 ] لقوله : ( أو أعلمه أنها زكاة معجلة رجع عليه ) ؛ لأنه دفعها عما يستحقه القابض من الحال الثاني ، وإذا طرأ ما يمنع الاستحقاق ، وجب رده ، كما لو كفر عن القتل بعد الجرح فاندمل ، ولم يمت المجروح ، فيحتمل أن الضمير عائد إلى رب المال ؛ وهو الذي في " الشرح " فيصير التقدير : لو أعلم رب المال الساعي بالتعجيل ودفع إلى الفقير ، رجع عليه ، أعلم الساعي ، أو لا ، وجزم به جماعة عن ابن حامد ، ويحتمل أن يعود الضمير إلى الدافع ، فعلى هذا تقديره : إذا أعلم الدافع الفقير بأنها معجلة ، رجع عليه ، وإلا فلا ، وهذا قول في المذهب ، ومتى كان رب المال صادقا ، فله الرجوع باطنا ، أعلمه بالتعجيل أو لا ، لا ظاهرا مع الإطلاق ؛ لأنه خلاف الظاهر ، وعلى القول بالرجوع إن كانت العين باقية ، أخذها بزيادتها المتصلة فقط ، وقيل : يرجع بالمنفصلة ، كرجوع بائع المفلس المسترد عين ماله بها ، وإن كانت ناقصة ضمن نقصها في الأصح كجملتها ، وإن تلفت ضمن مثلها أو قيمتها يوم التعجيل ، والمراد ما قاله المجد يوم التلف على صفتها يوم التعجيل .

فرع : إذا اختلفا في ذكر التعجيل ، صدق الآخذ عملا بالأصل ، ويحلف في الأصح ، ولو مات وادعى علم وارثه ففي يمينه على نفي العلم الخلاف .

التالي السابق


الخدمات العلمية