صفحة جزء
[ ص: 41 ] فصل

القسم الثاني : ماء طاهر غير مطهر ، وهو ما خالطه طاهر فغير اسمه ، أو غلب على أجزائه ، أو طبخ فيه ، فغيره ، فإن غير أحد أوصافه ، لونه ، أو طعمه ، أو ريحه ، أو استعمل في رفع حدث ، أو طهارة مشروعة كالتجديد ، وغسل الجمعة ، أو غمس يده فيه قائم من نوم الليل قبل غسلها ثلاثا ، فهل يسلبه الطهورية ؛ على روايتين ، وإن أزيلت به النجاسة ، فانفصل متغيرا ، أو قبل زوالها ، فهو نجس ، وإن انفصل غير متغير بعد زوالها ، فهو طاهر إن كان المحل أرضا ، وإن كان غير الأرض ، فهو طاهر في أصح الوجهين وهل يكون طهورا ؛ على وجهين ، وإن خلت بالطهارة منه امرأة ، فهو طهور ولا يجوز للرجل الطهارة به في ظاهر المذهب .


فصل

هو عبارة عن الحجز بين شيئين ، ومنه فصل الربيع ، لأنه يحجز بين الشتاء والصيف ، وهو في كتب العلم كذلك ، لأنه حاجز بين أجناس المسائل وأنواعها ( القسم الثاني : ماء طاهر غير مطهر ) جعله وسطا لسلب إحدى الصفتين ، وبقاء الأخرى ، وهو قسمان : أحدهما غير مطهر بالإجماع ( وهو ما خالطه طاهر ) يمكن أن يصان الماء عنه ، والمراد بالمخالطة هنا : الممازجة بحيث يستهلك جرم الطاهر في جرم الماء ، وتتلاقى جميع أجزائهما ، والثاني : مختلف في التطهير به ، وسيأتي ، والأول : ثلاثة أنواع : ما خالطه طاهر ( فغير اسمه ) بأن صار صبغا أو خلا ، لأنه أزال عنه اسم الماء ( أو غلب على أجزائه ) فصيره حبرا ، لأن المخالط إذا غلب على أجزاء الماء أزال معناه لكونه لا يطلب منه الإرواء ، ( أو طبخ فيه فغيره ) ، حتى صار مرقا ، كماء الباقلاء المغلي ، لأنه قد بقي طبيخا ، وزال عنه مقصود الماء من الإرواء ، أشبه ما لو صار حبرا ، وقد فهم منه أن الماء إذا خالطه طاهر ولم يغيره أنه باق على طهوريته ; لما روت أم هانئ : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اغتسل هو وزوجته من قصعة فيها أثر العجين ، رواه أحمد ، وغيره ، وقد أورد ابن المنجا بأن الطبخ إن تغير فيه تغير الاسم ، أو غلبة الأجزاء كان كالنوعين فلا حاجة إلى ذكره ، وإن لم يعتبر فيه ذلك ، دخل فيه ماء سلق فيه بيض ، فإنه يسمى طبخا بدليل اليمين ، وطبخ ما ذكر لا يسلبه الطهورية ، وأجاب بأن المراد به الطبخ المعتاد ، وقوله : طبخ فيه لا عموم له .

[ ص: 42 ] تذنيب : حكم المياه المعتصرة من الطهارات كماء الورد ، وما ينزل من عروق الأشجار غير مطهر خلافا لابن أبي ليلى ، والأصم ، إذ الطهارة لا تجوز إلا بالماء المطلق ، وكذا النبيذ ، نص عليه ، وهو قول الجماهير ، واختاره الطحاوي ، وصححه قاضي خان ، وقال عكرمة وفاقا لأبي حنيفة في المشهور عنه : يتوضأ به في السفر عند عدم الماء ، وعنه : يجب الجمع بينه وبين التيمم ، وقاله محمد بن الحسن ، وعنه : الجمع بينهما مستحب ، ويجوز الاقتصار على النبيذ ، وقاله إسحاق ، وقال أبو حنيفة : يتوضأ به ، وتشترط فيه النية ولا يتيمم ، قال الرازي : وهي أشهر عنه ، وقاله زفر . قال في " المحيط " ، و " المبسوط " وقاضي خان : النبيذ المشتد حرام شربه فكيف يتوضأ به ، واحتجوا بما روى أبو فزارة ، واسمه راشد بن كيسان ، - عن أبي زيد ، عن ابن مسعود قال : كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة الجن ، فقال : أمعك ماء ؛ قلت : لا . قال : ما في الإداوة ؛ قلت : نبيذ . فقال : تمرة طيبة وماء طهور رواه أحمد ، وأبو بكر بن أبي شيبة ، وجوابه : أنه مائع لا يقع عليه اسم الماء المطلق ، أشبه نبيذ الزبيب ، وحديث ابن مسعود لم يصححه أحمد ، وأبو زرعة ، وقال الخلال : كأنه موضوع ، وقال جماعة : لم يكن ابن مسعود مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة الجن ، وقال الطبراني : أحاديث الوضوء بالنبيذ وضعت على أصحاب ابن مسعود عند ظهور العصبية ، قال عبد الحق : لا يصح منها شيء ، وقال الطحاوي : إنما ذهب أبو حنيفة ، وأبو يوسف إلى الوضوء بالنبيذ اعتمادا على حديث ابن مسعود ، ولا أصل له .

[ ص: 43 ] ثم شرع في بيان القسم الثاني المختلف فيه ، فقال ( فإن غير ) أي الطاهر ، سواء كان مذرورا كالزعفران والأشنان ، أو حبوبا كالباقلاء والحمص ( أحد أوصافه ) والمذهب : أو أكثرها ( لونه ) واختلف في لون الماء على أقوال ، وذهب جماعة أنه لا لون له ، ورد بقوله عليه السلام عن ماء الحوض أشد بياضا من اللبن ( أو طعمه أو ريحه ) فهو طاهر غير مطهر في رواية نص عليها ، اختارها الخرقي ، وأبو بكر في " الشافي " وأبو حفص في " المقنع " والقاضي ، وقال : هي المنصورة عند أصحابنا ، لأنه تغير بمخالطة طاهر يمكن صونه عنه ، أشبه ما لو تغير بطبخ ، ولأنه لو وكل في شراء ماء لم يلزمه قبوله ، والنصوص إنما وردت في الماء المطلق العاري عن القيود بدليل صحة النفي ، ولو حلف لا يشرب ماء فشرب ماء الزعفران لم يحنث ، وكلامه دال على أنه لا فرق في التغيير بين الأوصاف الثلاثة ، لأن الأصحاب سووا بينها قياسا لبعضها على بعض ، لكن الخرقي شرط الكثرة في الرائحة دون غيرها ، قال ابن حمدان : وهو أظهر لسرعة سرايتها ونفوذها ، وفي أخرى : مطهر ، نقلها أبو الحارث ، والميموني ، وذكر في " الكافي " أنها أكثر الروايات عنه ، لقوله تعالى فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا [ النساء 43 ] ، وهو عام في كل ماء ، لأنه نكرة في سياق النفي ، فلم يجز التيمم عند وجوده ، ولأنه لم يسلبه اسمه ولا رقته ، أشبه المتغير بالدهن .

وفي ثالثة : طهور مع عدم قاله ابن أبي موسى ، والأول أصح ، لأنه إن لم يسلبه اسمه فقد سلبه الإطلاق ، والقياس على المتغير بالدهن لا يصح ، لأنه تغير عن مجاورة ، وهذا تغير عن مخالطة .

[ ص: 44 ] فرع :

إذا غير وصفين أو ثلاثة ، فذكر القاضي روايتين إحداهما : مطهرة ، لأن الصحابة كانوا يسافرون ، وغالب أسقيتهم الأدم ، وهي تغير أوصاف الماء عادة ، ولم يكونوا يتيممون معها ، والثانية : ليس بمطهر على الأشهر ، لأنه غلب على الماء أشبه ما لو زال اسمه .

( أو استعمل ) - وكان دون القلتين جزم به في " المحرر " و " الوجيز " ( في رفع حدث ) أي حدث كان فهو طاهر ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صب على جابر من وضوئه ، رواه البخاري غير مطهر في رواية ، وفي " الكافي " : إنها الأشهر ، وذكره ابن شهاب ظاهر المذهب ، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يغتسلن أحدكم في الماء الدائم ، وهو جنب .

رواه مسلم من حديث أبي هريرة ، ولولا أنه يفيد منعا لم ينه عنه ، ولأنه أزال به مانعا من الصلاة أشبه ما لو أزال به النجاسة ، أو استعمل في عبادة على وجه الإتلاف ، أشبه الرقبة في الكفارة ، وفي أخرى : مطهر اختارها ابن عقيل ، وأبو البقاء ، لما روى ابن عباس مرفوعا الماء لا يجنب .

رواه أحمد ، وغيره ، وصححه الترمذي ، لأنه ماء طاهر لاقى أعضاء طاهرة ، فلم يسلبه الطهورية ، أشبه ما لو تبرد به ، وفي ثالثة : نجس ، نص عليه في ثوب المتطهر ، لأنه عليه السلام نهى عن الغسل في الماء الدائم ، ونهى عن البول فيه ، ولا شك أن البول ينجسه ، فكذا الغسل ، ولأنه أزال مانعا من الصلاة ، أشبه إزالة النجاسة قال جماعة : وعليها يعفى عما قطر على بدن المتطهر وثوبه ، ويستحب غسله في رواية ، وفي أخرى : لا ، صححه الأزجي ، والشيخ تقي الدين ، والأولى أصح ، لأن رفع الحدث لا يقاس على إزالة النجس ، لما بينهما من الفرق ، وبأنه يكفي اشتراكهما في أصل المنع من التطهير به ، ولا يلزم [ ص: 45 ] اشتراكهما في التنجيس قاله في " الشرح " ، وقال أبو الفرج : ظاهر كلام الخرقي أنه طهور في إزالة الخبث ، وفيه نظر ، والمنفصل من غسل الميت إذا قلنا بطهارته فيه الروايات ، ويستثنى على الأول غير غسل ذمية لحيض ، ونفاس ، وجنابة ، ذكره في " الشرح " فيه وجها واحدا بالشرط السابق . فإن كان قلتين أو غسل رأسه بدلا عن مسحه لم يسلبه .

مسألة : إذا اشترى ماء ليشربه ، فبان قد توضئ به فعيب ، لأنه مستقذر شرعا ذكره في " النوادر " .

( أو طهارة مشروعة كالتجديد ، وغسل الجمعة ) والإحرام ، وسائر الأغسال المستحبة ، فالمذهب أنه طهور قدمه في " الكافي " و " المحرر " ، وجزم به في " الوجيز " وصححه في " النهاية " لأنه لم يرفع حدثا ، ولم يزل نجسا أشبه التبرد ، والأخرى : غير مطهر قدمها ابن تميم ، لأنه استعمل في طهارة شرعية ، أشبه ما لو رفع به حدثا ، وظاهره أن الطهارة إذا لم تكن مشروعة كالتبرد لم تسلبه الطهورية بغير خلاف نعلمه . قاله في " المغني " و " الشرح " .

مسائل : الأولى : المذهب يصير الماء مستعملا بانتقاله إلى عضو آخر ، وعنه : لا . قاله في " النهاية " وعنه : لا في الجنب ، وعنه : يكفيهما مسح اللمعة بلا غسل ذكره ابن عقيل .

الثانية : أعضاء الحدث الأصغر ليست كعضو واحد ، وعنه : بلى .

الثالثة : إذا انغمس جنب أو محدث في قليل راكد بنية رفع حدثه ، أو نواه بعد انغماسه لم يرتفع وصار مستعملا ، نص عليه . قيل : [ ص: 46 ] بأول جزء لاقى منه الماء كمحل نجس لاقاه ، وذلك الجزء غير معلوم . قاله القاضي وغيره ، وقيل : بأول جزء انفصل ، كالمتردد على المحل ، ويتوجه على الخلاف ما لو اغترف منه آخر ، وتوضأ به قبل الانفصال ، وقيل : ليس مستعملا ، وقيل : يرتفع ( أو غمس يده ) - وهي من رءوس الأصابع إلى الكوع ، وقيل : أو بعضها - ( فيه ) أي : في الماء إذا كان دون قلتين ، ودل على أنه لا أثر لغمسها في مائع طاهر ، وهو كذلك في الأصح ( قائم من نوم الليل قبل غسلها ثلاثا فهل يسلبه الطهورية ؛ على روايتين ) إحداهما : يسلبه ، اختاره أبو بكر ، والقاضي ، وكثير من الأصحاب لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا ، فإنه لا يدري أين باتت يده . متفق عليه من حديث أبي هريرة ، ولفظه لمسلم .

وفي رواية : " فليغسل يده " .

ولأبي داود ، والترمذي ، وصححه : من الليل ومقتضى ذلك الوجوب ، وعليها غسلهما شرط لصحة الوضوء ، قاله ابن عبدوس ، وهل هو تعبد ؛ فيجب إن شدت يده أو جعلت في جراب ، أو نحوه ، أو معلل بوهم النجاسة فلا يجب ؛ فيه وجهان ، ويتعلق هذا الحكم بالنوم الناقض للوضوء ، وقال ابن عقيل : هو ما زاد على نصف الليل ، لأنه قبل ذلك لا يسمى بيتوتة ، بدليل ما لو دفع قبل نصف الليل ، فإن عليه دما ، وينتقض بمن وافاها بعد نصف الليل فإنه لا دم عليه ، مع كونه أقل من نصفه ، واقتضى كلامه أن نوم النهار لا أثر له . قال في " الشرح " : رواية واحدة حملا للمطلق على المقيد ، وعنه : بلى ، وهو قول الحسن ، وظاهره أنه يؤثر غمسها فيه بعد غسلها مرة أو مرتين ، وهو كذلك في قول الأكثر ، وقيل : يكفي غسلها مرة . فعلى هذا لا يؤثر غمسها فيه بعد [ ص: 47 ] ذلك ، وفي وجوب النية والتسمية لغسلهما أوجه . ثالثها : تجب النية فقط ، والمذهب لا فرق في الغمس بعد نية غسلها أو قبلها ، وقال المجد : إنما يؤثر إذا كان بعد نية الوضوء ، وقبل غسلهما ، وعليها إذا لم يجد غيره استعمله وتيمم معه ، ويجوز استعماله في شرب وغيره ، وقيل : يكره ، وقيل : يحرم ، صححه الأزجي ، للأمر بإراقته ، وظاهره أنه إذا حصل في يده من غير غمس أنه طهور ، وهو كذلك في رواية ، وعنه : كغمسه ، وفم أو رجل كيد في قليل بعد نية غسل واجب لا وضوء ، وفي " الشرح " أنه إذا كانت يده نجسة ، والماء قليل ، وليس معه ما يغترف به ، فإن أمكنه أن يأخذ بفيه ، ويصب على يديه ، أو يغمس خرقة ، أو غيرها فعل ، فإن لم يمكنه تيمم كي لا ينجس الماء ، ويتنجس به ، ومقتضاه أنه شامل للصغير والمجنون ، والكافر كضدهم ، وهو وجه .

والثانية : لا يسلبه ، اختارها الخرقي والشيخان ، وجزم بها في " الوجيز " وذكر في " الشرح " أنه الصحيح ، لأنه ماء لاقى أعضاء طاهرة ، فكان على أصله ، ونهيه عليه السلام عن غمس اليد ، إن كان لوهم النجاسة فهو لا يزيل الطهورية كما لا يزيل الطاهرية ، وإن كان تعبدا اقتصر على مورد النص ، وهو مشروعية الغسل ، وحديث أبي هريرة محمول على الاستحباب ، وفي ثالثة : هو نجس ، اختارها الخلال ، لأنه مأمور بإراقته في خبر رواه أبو حفص العكبري ، وقد فصل بعضهم ، فقال : إن قلنا بوجوب غسلهما ، فكمستعمل في رفع حدث ، وإن سن غسلهما ، فكمستعمل في طهارة مسنونة .

[ ص: 48 ] ( وإن أزيلت به النجاسة فانفصل متغيرا ) فهو نجس بغير خلاف ، لأنه تغير بالنجاسة ( أو قبل زوالها ) يعني : إذا انفصل غير متغير مع بقاء النجاسة ، كالمنفصل في السادسة من ولوغ الكلب ( فهو نجس ) لأنه ملاق لنجاسة لم يطهرها . فكان نجسا أشبه ما لو وردت عليه . والمحل المنفصل عنه في الصورة الأولى طاهر . صرح به الآمدي ، وهو مقتضى كلام القاضي ، وجزم في " الانتصار " بنجاسته ، وهو ظاهر كلام الحلواني ( وإن انفصل غير متغير بعد زوالها ) وهو معنى كلامه في " المحرر " ، و " الوجيز " ، ولم يبق للنجاسة أثر ( فهو طاهر إن كان المحل أرضا ) نصره في " الشرح " ، وقدمه ابن تميم ، وابن حمدان ، لما روى البخاري من حديث أبي هريرة : أن أعرابيا بال في طائفة المسجد ، فقام إليه الناس ليقعوا به ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - دعوه ، وأريقوا على بوله سجلا من ماء أو ذنوبا من ماء .

أمر بذلك لأجل التطهير ، ولولا أنه يطهر لكان تكثيرا للنجاسة ، ويلزم منه طهارة المحل ، وقد صرح به في " المحرر " ، و " الوجيز " ، وإن لم ينفصل الماء ، وعن أحمد : إن كانت النجاسة رطبة ، والأرض صلبة ، فمنفصله نجس ، وقيل : المنفصل عن الأرض كالمنفصل عن غيرها في الطهارة والنجاسة ، وحكاه ابن البنا رواية .

فرع : إذا وقع خمر على أرض فذهب بالماء لونه دون ريحه ، عفي عنه في الأصح ، وتطهر أرض البئر اليابسة ونحوها بنبع ماء طهور كثير فيها .

( وإن كان غير الأرض فهو طاهر في أصح الوجهين ) قاله ابن تميم ، وغيره ، لأنه انفصل عن محل محكوم بطهارته ، كالمنفصل في السابعة من ولوغ الكلب .

[ ص: 49 ] وهو معنى كلامه في " الوجيز " : وآخر غسلة زالت النجاسة بها ، ولأنه بعض المتصل ، وهو طاهر بالإجماع ، وشرطه الانفصال ، وصرح به في " المحرر " بخلاف الأرض ، لأنه إذا لم ينفصل فعين النجاسة قائمة ، ومقصود الغسل زوالها .

والثاني : نجس ، اختاره ابن حامد ، لأنه ماء قليل لاقى نجاسة ، أشبه ما لو انفصل قبل زوالها ، والبلل الباقي إنما عفي عنه للضرورة ( وهل يكون طهورا ؛ على وجهين ) : مبنيان على المستعمل في رفع الحدث ، لأنه أزيلت به نجاسة حكمية ، لأنها زالت بما قبلها من الغسلات ، أشبه الحدث ، لاشتراكهما في المنع الشرعي .

( وإن خلت بالطهارة ) أي : الكاملة عن حدث ( منه ) إذا كان قليلا جزم به في " الشرح " و " الوجيز " لأن النجاسة لا تؤثر في الماء الكثير فهذا أولى ، وقيل : وبكثير ( امرأة ) مسلمة كانت أو ذمية ، وهو أحد الوجهين عنها إذا خلت به لغسلها من الحيض ، لأنه قد تعلق به إباحة وطئها ، والثاني : لا يمنع ، لأن طهارتها غير صحيحة ، ومثله غسلها من النفاس والجنابة ، وقيل : المميزة كذلك ( فهو طهور ) بالأصل ، لأنه يجوز لها أن تتطهر به ، ولغيرها من النساء أشبه بالذي لم تخل به ( ولا يجوز للرجل الطهارة به في ظاهر المذهب ) لما روى الحكم بن عمرو الغفاري قال : نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة رواه الخمسة إلا أن النسائي ، وابن ماجه قالا : وضوء المرأة ، وحسنه الترمذي ، وصححه ابن حبان ، واحتج به أحمد في رواية الأثرم ، وخصصناه بالخلوة ، لقول عبد الله بن سرجس : توضأ أنت ها هنا ، وهي ها هنا ، [ ص: 50 ] فإذا خلت به فلا تقربنه رواه الأثرم ، ثم في معنى الخلوة روايتان : إحداهما : انفرادها به عن مشاركة رجل ، لقول عائشة : كنت أغتسل أنا والنبي - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد ، تختلف أيدينا فيه من الجنابة متفق عليه . والثانية وهي الأصح : أن لا يشاهدها أحد عند طهارتها ، فعلى هذا ، هل تزول بمشاهدة المرأة ، والصبي ، والكافر ؛ على وجهين : أحدهما : تزول ، كخلوة النكاح ، اختاره الشريف أبو جعفر ، والثاني : لا تزول إلا بمشاهدة مسلم مكلف ، اختاره القاضي ، والثانية : تجوز ، وهي اختيار ابن عقيل ، قال في " الشرح " : وهو أقيس لما روى ابن عباس : أن امرأة من نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - استحمت من جنابة ، فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ من فضلها ، فقالت : يا رسول الله ، إني اغتسلت منه فقال : الماء لا يجنب .

رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، وصححه ، وهو ظاهر في الخلوة ، لأن العادة أن الإنسان يقصد الخلوة في الاغتسال ، وكاستعمالهما معا ، وكإزالتها به نجاسة ، وكامرأة أخرى ، وكتطهرها بما خلا به في الأصح فيهن ، ونقله الجماعة في الأخيرة ، وذكره القاضي وغيره إجماعا ، وفي ثالثة : يجوز مع الكراهة ، ومعناه اختيار الآجري ، وهذا كله على رواية الطهورية ، وقيل : أو الطاهرية ، وهو الذي في " المستوعب " واقتضى كلامه : أن الخلوة به للشرب ، أو التبريد ، أو التنظيف من وسخ لا أثر له ، وهذا هو الأصح ، وإن كان لغسل بعض أعضائها عن حدث ، أو في طهر مستحب ، أو طهارة خبث أثرت قياسا على الوضوء ، والثاني : لا ، لأن الطهارة المطلقة تنصرف إلى طهارة الحدث الكاملة .

[ ص: 51 ] فرع : الخنثى كرجل ، ذكره ابن تميم ، وقدمه في " الفروع " وعند ابن عقيل كامرأة . قال ابن حمدان : هل تلحق الصبية بالمرأة ، والصبي بالرجل ؛ على وجهين : وفيما تيممت به خلوة احتمالان .

تذنيب : إذا اغترف بيده من القليل بعد نية غسله ، صار مستعملا ، نقله واختاره الأكثر . وعنه : لا ، اختاره جماعة لصرف النية بقصد استعماله خارجه ، قال في " الفروع " : وهو أظهر ، وقيل : اغتراف متوضئ بعد غسل وجهه لم ينو غسلها فيه كجنب ، والمذهب طهور لمشقة تكرره ، فإن وقع في طهور مستعمل عفي عن يسيره ، فإن كثر الواقع وتفاحش منع في رواية ، وقال المجد : الحكم للأكثر قدرا ، وقال ابن عقيل : إن كان الواقع بحيث لو كان خلا غيره ، منع . ونصه فيمن انتضح من وضوئه في إنائه : لا بأس ، وإن كان معه ماء لا يكفيه لطهارته فكمله بمائع آخر لم يغيره جاز الوضوء به في رواية ، ورجحها في " الشرح " لأن المائع قد استهلك ، وإن بلغ بعد خلطه قلتين أو كانا مستعملين فطاهر . وقيل : طهور .

التالي السابق


الخدمات العلمية