صفحة جزء
ويعطى الفقير والمسكين ما يغنيه ، والعامل قدر أجرته ، والمؤلف ما يحصل به التأليف ، والغارم والمكاتب ما يقضيان به دينهما ، والغازي ما يحتاج إليه لغزوه ، وإن كثر ، ولا يزاد أحد منهم على ذلك ، ومن كان ذا عيال أخذ ما يكفيهم ، ولا يعطى أحد منهم مع الغنى إلا أربعة : العامل والمؤلف والغارم لإصلاح ذات البين ، والغازي ، وإن فضل مع الغارم والمكاتب والغازي وابن السبيل شيء بعد حاجتهم لزمهم رده ، والباقون يأخذون أخذا مستقرا ، فلا يردون شيئا ، وظاهر كلام الخرقي في المكاتب أنه يأخذ أخذا مستقرا .


( ويعطى الفقير والمسكين ما يغنيه ) أي : كل واحد منهما ؛ لأن الدفع للحاجة فتقدر بقدرها ؛ وهو مبني على ما سبق ، وشرط الخرقي أن يكون المدفوع إليه إلى الغنى ؛ لأن الغنى لو سبق الدفع لم يجز ، فكذا إذا قارب كالجمع بين الأختين ، ( والعامل قدر أجرته ) ؛ لأن الذي يأخذه بسبب العمل يوجب أن يكون بمقداره ( والمؤلف ما يحصل به التأليف ) ؛ لأنه المقصود [ ص: 427 ] ( والغارم والمكاتب ما يقضيان به دينهما ) ؛ لأن حاجتهما إنما تندفع بذلك ( والغازي ما يحتاج إليه لغزوه ) من سلاح وفرس إن كان فارسا وحمولته وجميع ما يحتاجه له ولعوده ، وإن كثر ؛ لأنه إنما يحصل بذلك ، ونبه عليه المؤلف ؛ لئلا يتوهم أنه لا يجوز أن يكون قدر نصاب ؛ لأن سبب الدفع الحاجة ، ( ولا يزاد أحد منهم على ذلك ) ؛ لأن الدفع للحاجة فيتقيد بها ( ومن كان ذا عيال أخذ ما يكفيهم ) ؛ لأن الحاجة داعية إلى ذلك كالأخذ لنفسه ( ولا يعطى أحد منهم مع الغنى ) لقوله - عليه السلام - : " لا تحل الصدقة لغني ، ولا ذي مرة سوي " رواه أبو داود ، والترمذي من حديث عمرو بن العاص .

فائدة : المرة : القوة والشدة ، والسوي : المستوي الخلق التام الأعضاء ، ( إلا أربعة : العامل ) بغير خلاف نعلمه ، ( والمؤلف ) ؛ لأن إعطاءهم لمعنى يعم نفعه كالغازي ، ( والغارم لإصلاح ذات البين ) ما لم يكن دفعها من ماله ، ( والغازي ) لما روى أبو سعيد مرفوعا : " لا تحل الصدقة لغني ، إلا لغاز في سبيل الله ، أو لعامل عليها ، أو لغارم " رواه أبو داود ، ولأنه يقال : جعل الفقراء والمساكين صنفين ، وعد بعدهما بقية الأصناف ، ولم يشرط فيهم الفقر ، فدل على جواز الأخذ مع الغنى ، وخالف ابن عقيل في الغارم ، والمذهب ما ذكره المؤلف ، وظاهره أن الباقين يشترط فيهم الحاجة ، وابن السبيل وإن كان له مال في بلده ، فهو الآن كالمعدوم ، ( وإن فضل مع الغارم والمكاتب ) حتى ولو سقط ما عليهما ببراءة أو غيرها ( والغازي وابن السبيل شيء بعد حاجتهم لزمهم رده ) ؛ لأن السبب زال ، فيجب رد العامل لزوال الحاجة ، فهؤلاء أخذهم مراعى ، وعلم منه أنهم إذا لم يصرفوه في [ ص: 428 ] حاجتهم أنه يسترجع منهم بكليته لبطلان وجود الاستحقاق ، وإن تلف في أيديهم بغير تفريط ، فلا رجوع عليهم ، وعنه : لا يسترد منهم ، وتبقى لهم كسائر أموالهم لاستحقاقهم وقت الأخذ فملكوها كالبواقي ، قال في " المحرر " : إلا في عجز المكاتب ، فإنها تكون لسيده ، انتهى . وسيأتي ( والباقون يأخذون أخذا مستقرا فلا يردون شيئا ) ؛ لأنهم ملكوها ملكا مستقرا ، والفرق أن هؤلاء حصل المقصود بأخذهم ؛ وهو غنى الفقير والمسكين مثلا بخلاف ما سبق ، ( وظاهر كلام الخرقي في المكاتب أنه يأخذ أخذا مستقرا ) أي : فلا يرد ما فضل ؛ لأنه إذا عجز ورد في الرق ، فما في يده لسيده ، نص عليه ؛ لأنه مستحق عند أخذها ، فلم يجب ردها كما لو استغنى الفقير ، وعنه : يرده في المكاتبين ، وقيل : للمعطي ، قال أبو بكر والقاضي : ولو كان دفعها إلى سيده استرجعه المعطي ، وقيل : لا ، كما لو قبضها منه ثم أعتقه .

التالي السابق


الخدمات العلمية