صفحة جزء
وإذا ادعى الفقر من عرف بالغنى ، أو ادعى أنه مكاتب أو غارم أو ابن سبيل لم يقبل إلا ببينة ، وإن صدق المكاتب سيده ، أو الغارم غريمه ، فعلى وجهين ، وإن ادعى الفقر من لم يعرف بالغنى قبل قوله ، وإن رآه جلدا ، وذكر أن لا كسب له أعطاه من غير يمين بعد أن يخبره أنه لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب ، وإن ادعى أن له عيالا قبل وأعطي ، ويحتمل أن لا يقبل إلا ببينة ، ومن غرم ، أو سافر في معصية ، لم يدفع إليه ، فإن تاب فعلى وجهين .


( وإذا ادعى الفقر من عرف بالغنى ) لم يقبل إلا ببينة ؛ لقوله - عليه السلام - في خبر قبيصة قال : " لا تحل المسألة إلا لأحد ثلاثة : رجل أصابته فاقة حتى يشهد له ثلاثة من ذوي الحجى من قومه : لقد أصابت فلانا فاقة فحلت له المسألة ، حتى يصيب قواما من عيش أو سدادا من عيش " رواه مسلم ، ولأن الأصل بقاء الغنى ، ونص أحمد أنه لا يقبل فيه إلا ثلاثة ، وجزم به في " الوجيز " ، وقال جماعة : يقبل اثنان لدين الآدمي ، وأجاب المؤلف وغيره عن خبر قبيصة أنه في حل المسألة فيقتصر عليه ( أو ادعى إنسان أنه مكاتب أو غارم أو ابن سبيل ، لم يقبل [ ص: 429 ] إلا ببينة ) ؛ لأن الأصل عدم ما يدعيه وبراءة الذمة ، وفي قوله : إنه ابن سبيل وجه : يقبل قوله ( وإن صدق المكاتب سيده أو الغارم غريمه ، فعلى وجهين ) أصحهما يقبل ؛ لأن الحق في العبد للسيد ، فإذا أقر بانتقال حقه عنه قبل ، والغريم في معناه ، والثاني : لا يقبل إلا ببينة لجواز تواطئهما على أخذ المال ، وقدم في " الفروع " في المكاتب أنه لا يقبل إلا ببينة ؛ وهو غريب ( وإن ادعى الفقر من لم يعرف بالغنى قبل قوله ) ؛ لأن الأصل استصحاب الحال السابقة ، والظاهر صدقه ، ولو كان متجملا . ذكره في " الشرح " ، ويخبره بأنها زكاة ( وإن رآه جلدا ) أي : شديدا قويا ( وذكر أن لا كسب له أعطاه من غير يمين وفاقا ) ؛ لأنه - عليه السلام - لم يحلف على ذلك ( بعد أن يخبره ) على سبيل الإيجاب ( أنه لا حظ فيها لغني ، ولا لقوي مكتسب ) لما روى عبد الله بن عدي بن الخيار أن رجلين أتيا النبي - صلى الله عليه وسلم - فسألاه شيئا ، " فصعد فيهما النظر فرآهما جلدين فقال : إن شئتما أعطيتكما ، ولا حظ فيها لغني ، ولا لقوي مكتسب " رواه أبو داود ، لكن إذا تفرغ للعلم وتعذر الجمع ، لا إن تفرغ للعبادة . فإن رآه ظاهر المسكنة أعطاه منها ، ولم يبين له ، قاله أحمد .

فرع : إذا سأله من ظاهره الفقر أن يعطيه شيئا ، فأعطاه قيل : يقبل قول الدافع في كونها فرضا لسؤاله بقدر العشرة دراهم ، وقيل : لا يقبل لقوله شيئا أني فقير ، قاله أبو المعالي ( وإن ادعى أن له عيالا قلد وأعطي ) قاله الأكثر ؛ لأن الظاهر صدقه ، ويسن إقامة البينة لا سيما على الغريب ، وكما يقلد في حاجة نفسه ، ( ويحتمل أن لا يقبل إلا ببينة ، وقاله ابن عقيل ، لأن الأصل عدم العيال ، [ ص: 430 ] بخلاف ما إذا ادعى أنه لا كسب له لموافقته الأصل ، ( ومن غرم ) أي : في معصية كشراء خمر ونحوه ( أو سافر في معصية ) كقطع طريق ( لم يدفع إليه ) أي : قبل التوبة ؛ لأنه إعانة على المعصية ( فإن تاب فعلى وجهين ) أصحهما : أنه يدفع إليه ؛ لأن تفريغ الذمة من الدين واجب ، والإعانة عليه قربة ، أشبه ما لو تلف ماله في المعصية حتى افتقر ، فإنه يصرف إليه من سهم الفقراء بشرطه ، وعود ابن السبيل إلى بلده ليس بمعصية ، بل ربما كان إقلاعا عنها ، كالعاق يريد الرجوع إلى أبويه .

والثاني : لا لكونه استدامة للمعصية ، فلم تدفع إليه ، كما لو لم يتب ؛ ولأنه متهم في إظهار التوبة لأجل قضاء دينه ، ثم يعود ، وكذا لو سافر في مكروه أو نزهة .

التالي السابق


الخدمات العلمية