صفحة جزء
ويستحب صرفها في الأصناف كلها ، وإن اقتصر على إنسان واحد أجزأه ، وعنه : لا يجزئه إلا ثلاثة من كل صنف إلا العامل ، فإنه يجوز أن يكون واحدا ، ويستحب صرفها إلى أقاربه الذين لا تلزمه مؤنتهم ، ويفرقها فيهم على قدر حاجتهم ، ويجوز دفع زكاته إلى مكاتبه وإلى غريمه .


( ويستحب صرفها في الأصناف كلها ) أي : الثمانية لكل صنف منها إن وجد حيث وجب الإخراج ، أو فيمن أمكن منهم ؛ لأن في ذلك خروجا من الخلاف ، وتحصيلا للإجزاء يقينا ، وإن اقتصر على إنسان واحد من الأصناف أجزأه في قول جماهير العلماء ، ونص عليه ، واختاره الأصحاب ؛ لقوله تعالى : إن تبدوا الصدقات فنعما هي الآية [ البقرة : 271 ] ولحديث معاذ ، وقوله لقبيصة : " أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها " ، وأمر " بني زريق بدفع صدقتهم إلى سلمة بن صخر " ، ولو وجب الاستيعاب لم يجز صرفها إلى واحد ، ولأنه لا يجب إذا فرقها الساعي ، فكذا المالك ، ولما فيه من الكسر ؛ وهو منفي شرعا ، والآية إنما سيقت لبيان من تصرف إليه ، لا لتعميمهم ، وكالوصية لجماعة [ ص: 431 ] لا يمكن حصرهم ، وشرطه إذا لم يوصله إلى الغنى ذكره الخرقي ، فظاهره لا بد أن ينقص منه ، ونص أحمد وأكثر الأصحاب على خلافه ، لكن لا يزيد عليه ، ونص المؤلف على جواز الدفع إلى واحد دليل على جوازه إلى الصنف من باب أولى .

وعنه : يجب الاستيعاب ، اختاره أبو بكر ، وأبو الخطاب ؛ لأن الله تعالى أضافها إليهم بلام التمليك ، وشرك بينهم ، فلم يجز الاقتصار على بعضهم إلا لضرورة كأهل الخمس ، وعليها : لا يجب التسوية بين الأصناف كالصنف الواحد ، وكالوصية للفقراء بخلاف المعين ، فعلى هذه ( لا يجزئه أقل من ثلاثة من كل صنف ) ، لأنهم أقل الجمع ، فعلى هذا إن دفع إلى اثنين ضمن نصيب الثالث ، وهل يضمنه بالثلث ؛ لأنه القدر المستحب أو بأقل جزء منه ؛ لأنه المجزئ ، فيه وجهان ، كالأضحية إذا أكلها ، وعنه : يجزئ واحد ، اختاره في " الانتصار " ، وصاحب " المحرر " ؛ لأنه لما تعذر الاستغراق حمل على الجنس ، كقوله : لا تزوجت النساء ( إلا العامل فإنه يجوز أن يكون واحدا ) وفاقا ، مع أنه ذكر بلفظ الجمع ؛ لأن ما يأخذه أجرة ، ويسقط سهمه إن فرقها رب المال بنفسه ، فتبقى سبعة .

فرع : من كان فيه سببان أخذ بهما على الروايتين كالميراث ، ولا يجوز أن يعطى بأحدهما لا بعينه لاختلاف أحكامهما في الاستقرار ، وإن أعطي بهما ، وعين لكل سبب قدر ، وإلا كان بينهما نصفين ، وتظهر فائدته لو وجد ما يوجب الرد .

[ ص: 432 ] ( ويستحب ) للمالك ( صرفها إلى أقاربه الذين لا تلزمه مؤنتهم ) لقوله - عليه السلام - : " صدقتك على ذي القرابة صدقة وصلة " رواه الترمذي ، والنسائي ، ولأنه لا يرثه بفرض أو تعصيب ، ولا تلزمه نفقته ، وإذا أحضر رب المال إلى العامل من أهله من لا تلزمه نفقته ليدفع إليهم زكاته ، دفعها قبل خلطها بغيرها ، وبعده هم كغيرهم ، ولا يخرجهم منها ؛ لأن فيها ما هم به أخص ، ذكره القاضي ، ( ويفرقها فيهم على قدر حاجتهم ) ؛ لأنها مراعاة ، ويقدم الأقرب والأحوج ، فإن كان الأجنبي أحوج أعطي الكل ، ولم يحاب بها قريبه ، والجار أولى من غيره ، والقريب أولى منه ، نص عليه ، والعالم والدين يقدمان على ضدهما .

( ويجوز دفع زكاته إلى مكاتبه ) نص عليه ؛ لأنه معه كالأجنبي من حرمان أكثر ما بينهما ، ولأن الدفع تمليك ؛ وهو من أهله ، فإذا رده إلى سيده بحكم الوفاء جاز كوفاء الغريم ، وقيده في " الوجيز " وغيره بأن لا يكون حيلة ، ونقل حنبل عن أحمد أنه قال : قال سفيان : لا تعط مكاتبا لك من الزكاة ، وأنا أرى مثله ، واختاره القاضي ، قال المجد : وهو أقيس ؛ لأن تعلق حقه بماله أشد من تعلق حق الوالد بمال الولد ، ( وإلى غريمه ) ؛ لأنه من جملة الغارمين ، وسواء دفعها إليه ابتداء أو استوفى حقه ، ثم دفع إليه ليقضي به دين المقرض ، نص عليه ذلك ، وقال : إن كان حيلة فلا يعجبني ، ونقل عنه ابن القاسم : إن أراد الحيلة لم يصح ولا يجوز ، وبه جزم في " الوجيز " وذكر القاضي وغيره أن المراد بالحيلة أن يعطيه بشرط أن يردها عليه من ذمته فلا يجزئه ؛ لأن من شرطها تمليكا صحيحا ؛ وهو منتف مع الشرط ، وفي " المغني " ، و " الشرح " أنه حصل من كلام أحمد إذا قصد بالدفع إحياء ماله واستيفاء دينه [ ص: 433 ] لم يجز ؛ لأن الزكاة حق الله ، فلا يجوز صرفها إلى نفعه .

التالي السابق


الخدمات العلمية