صفحة جزء
فصل

ولا يجوز دفعها إلى كافر ولا عبد ولا فقيرة لها زوج غني ، ولا إلى الوالدين وإن علوا ، ولا إلى الولد وإن سفل ، ولا إلى الزوجة ، ولا لبني هاشم ، ولا مواليهم ، ويجوز لبني هاشم الأخذ من صدقة التطوع ، ووصايا الفقراء والنذر ، وفي الكفارة وجهان ، وهل يجوز دفعها إلى سائر من يلزمه مؤنته من أقاربه أو إلى الزوج أو بني المطلب ؛ على روايتين ، وإن دفعها إلى من لا يستحقها وهو لا يعلم ، ثم علم لم يجزئه إلا لغني ظنه فقيرا في إحدى الروايتين .


فصل

( ولا يجوز دفعها إلى كافر ) إجماعا ، وحديث معاذ نص فيه ؛ ولأنها مواساة تجب على المسلم ، فلم تجب للكافر كالنفقة ، ويستثنى منه إذا كان مؤلفا أو عاملا على رواية ، زاد في " المستوعب " أو غارما لذات البين أو غارما ( ولا عبد ) أي : كامل الرق ؛ لأن نفقته واجبة على سيده ، فهو غني بغناه ، وما يدفع إليه ما لا يملكه ، وإنما يملكه سيده ، فكأنه دفع إليه ، ويستثنى منه ما إذا كان عاملا ، وظاهره لا يدفع إليه ، وإن كان سيده فقيرا ، وذكر القاضي في " تعليقه " في العبد بين اثنين فكاتبه أحدهما : يجوز ، وما قبضه من الصدقات فنصفه يلاقي نصفه المكاتب ، وما يلاقي نصف السيد الآخر إن كان فقيرا ، جاز في حصته ، وإن كان غنيا لم يجز ، قال المجد : ومثله إذا كاتب بعض عبده ، وكلامه شامل للمدبر ، وأم الولد والمعلق عتقه بصفة ، فإن كان بعضه حرا ، أخذ بقدره بنسبته من خمسين أو من كفايته على الخلاف ، ( ولا فقيرة لها زوج غني ) لغناها بذمتها عليه ، ولولد صغير فقير أبوه موسر ، بل أولى للمعاوضة ، وثبوتها في الذمة ، وكما لا يجوز دفعها إلى غني بنفقة لازمة ، اختاره الأكثر ، وأطلق في " الترغيب " وجهين ، وجوزه في " الكافي " ؛ لأن استحقاقه للنفقة مشروط بفقره ، فيلزم من وجوبها له وجود الفقر بخلاف الزوجة ، ويستثنى منه ما إذا تعذرت النفقة منه لغيبة أو امتناع ، فإنه يجوز لها الأخذ ، نص عليه ، كمن غصب ماله ، أو تعطلت منفعة عقاره ( ولا إلى الوالدين ، وإن [ ص: 434 ] علوا ، ولا إلى الولد ، وإن سفل ) لاتصال منافع الملك بينهما عادة ، فيكون صارفا لنفسه بدليل عدم قبول شهادة أحدهما للآخر ، وظاهره لا فرق بين الوارث وغيره حتى ولد البنت ، نص عليه ، وعلل في " الشرح " ما يقتضي اقتصاره بوجوب النفقة ، وأطلق في " الواضح " في جد وابن ابن محجوبين وجهين ، وظاهره أنه لا يعطي عمودي نسبه لغرم لنفسه ، أو كتابة ، نص عليه ، وقيل : يجوز ، اختاره الشيخ تقي الدين ، وذكر جده في ابن سبيل كذلك ، وسبق كونه عاملا ، ( ولا إلى الزوجة ) إجماعا ، لأنها مستغنية بنفقتها عليه ، فلم يجز كما لو دفعها إليها على سبيل الإنفاق عليها ، وظاهره ولو كانت ناشزة ، ذكره في " الانتصار " ، و " الرعاية " ، وقيل : بل مطلقا ، ولا لبني هاشم ، نص عليه ، كالنبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ لقوله : " إنا لا تحل لنا الصدقة " رواه أحمد ، ومسلم ، وله - أيضا - مرفوعا : " إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد ، إنما هي أوساخ الناس " ، وسواء أعطوا من خمس الخمس أو لا ؛ لعموم النصوص ؛ ولأن منعهم لشرفهم ؛ وهو باق ، وقيل : يجوز إن منعوا الخمس ، اختاره القاضي يعقوب ، والآجري ، والشيخ تقي الدين ؛ لأنه محل حاجة وضرورة ، ويستثنى منه ما لم يكونوا غزاة أو مؤلفة أو غارمين لذات البين ، وسبق كونه عاملا .

أصل : بنو هاشم من كان من سلالته ، ذكره القاضي وأصحابه ، وجزم في " الرعاية " بقول بعضهم : هم آل عباس ، وآل علي ، وآل جعفر ، وآل عقيل ، وآل الحارث بن عبد المطلب ، ( ولا مواليهم ) جمع مولى ؛ وهو من أعتقه هاشمي ، نص عليه ، لحديث أبي رافع مرفوعا : " إن الصدقة لا تحل لنا [ ص: 435 ] وإن مولى القوم من أنفسهم " رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، وصححه ؛ ولأنه بمنزلة النسب في الإرث ، والعقل ، والنفقة ، فغلب الحظر ، وأومأ أحمد في رواية يعقوب إلى الجواز ، وحكاه في " الشرح " عن أكثر العلماء ؛ لأنهم ليسوا من آل محمد ، وكموالي مواليهم .

فرع : لا تحرم الزكاة على أزواجه - عليه السلام - في ظاهر كلام أحمد ، والأصحاب كمواليهن للأخبار ، وفي " المغني " ، و " الشرح " أن خالد بن سعيد بن العاص أرسل إلى عائشة بسفرة من الصدقة فردتها ، وقالت : إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة . رواه الخلال . فهذا يدل على تحريمها عليهن ، ولم يذكرا ما يخالفه ، مع أنهم لم يذكروا هذا في الوصية والوقف ، وهذا يدل على أنهن من أهل بيته في تحريم الزكاة ، وذكر الشيخ تقي الدين أنه يحرم عليهن الصدقة ، وأنهن من أهل بيته في أصح الروايتين ، ورده الجد - رحمه الله - .

( ويجوز لبني هاشم الأخذ من صدقة التطوع ) نص عليه ، وجزم به الأكثر ؛ لقوله - عليه السلام - : " كل معروف صدقة " ولأن محمد بن علي كان يشرب من سقايات بين مكة والمدينة ، ويقول : إنما حرمت علينا الصدقة المفروضة ، ولا خلاف في جواز اصطناع المعروف إليهم ، والمراد به : الاستحباب إجماعا ، فلا وجه لقول ابن حمدان . قلت : يستحب ، وإنما عبروا بالجواز ؛ لأنه أصل لما اختلف في تحريمه .

ونقل الميموني عنه : لا لعموم ما سبق ، وأجيب بأن المراد به الصدقة المفروضة ، [ ص: 436 ] لأن الطلب كان لها ، فاللام فيه للعهد ، ( ووصايا الفقراء ) نص عليه ( والنذر ) ؛ لأنه لا يقع عليهما اسم الزكاة والطهرة ، والوجوب في الآدمي أشبه الهبة ، ويؤخذ من نقل الميموني المنع ، وجزم في " الروضة " بتحريم النفل على بني هاشم ومواليهم ، ( وفي الكفارة وجهان ) المذهب : أنه لا يجوز لوجوبها بالشرع كالزكاة ، والثاني : بلى ؛ لأنها ليست أوساخ الناس ، أشبهت صدقة التطوع .

تنبيه : كل من حرم دفع الزكاة إليه ، جاز دفع التطوع له ، وله أخذها حتى كافر وغني ، نص عليه ، وأما النبي - صلى الله عليه وسلم - فيحرم عليه ، وإن لم يحرم التطوع على بني هاشم ، وإن حرم عليهم ، فهو أولى ؛ لأن اجتنابها كان من دلائل النبوة ، فلم يكن لبخل به ، ونقل جماعة : لا تحرم عليه ، واختاره القاضي كاصطناع أنواع المعروف إليه - عليه السلام - .

( وهل يجوز دفعها إلى سائر من يلزمه مؤنته من أقاربه أو إلى الزوج أو بني المطلب ، على روايتين ) ، وفيه مسائل .

الأولى : ظاهر " المذهب " ، وقدمه في " الفروع " أنه يجوز دفعها إلى غير عمودي نسبه ممن يرثه بفرض أو تعصيب ، كالأخت أو الأخ ؛ لقوله - عليه السلام - : " والصدقة على ذي الرحم صدقة وصلة " فلم يفرق بين الوارث وغيره ؛ لأنه مقبول الشهادة له كالأجنبي ، وكما لو تعذرت النفقة ، وحكم الإرث بالولاء كذلك ، وإذا قيل زكاة ، دفعها إليه قريبه ولا نفقة ، وإن لم يقبل ، وطالب بنفقته الواجبة أجبر ، ولا يجزئه في هذه الحال جعلها زكاة .

[ ص: 437 ] والثانية : المنع ، اختارها الخرقي ، وصاحب " التلخيص " ، والقاضي ، وذكر أنه الأشهر لغناه بوجوب النفقة ؛ ولأن نفعها يعود إلى الدافع ؛ لكونه يسقط النفقة عنه كعبده ، وظاهره أن القريب إذا لم تلزمه نفقته أنه يجوز دفعها إليه بلا ريب ؛ لأنه لا ميراث بينهما ، أشبه الأجنبي ، فلو ورث أحدهما الآخر ، كعمة وابن أخيها ، وعتيق ومعتقه ، وأخوين لأحدهما ابن ، فالوارث منهما تلزمه النفقة على الأصح ، وفي دفع الزكاة إليه الخلاف ، وعكسه الآخر ، فأما ذوو الأرحام فالأصح أنه يدفع إليهم ، وإن ورثوا لضعف قرابتهم ، وفي الإرث بالرد الخلاف ، وعلى المنع يعطى قريبه لعمالة وتأليف ، وغزو وغرم لذات البين ، وظاهر ما سبق : لو تبرع بنفقة قريب أو يتيم ، وضمه إلى عياله جاز الدفع إليه ، واختاره الأكثر لوجود المقتضي ، ونقل جماعة ، واختاره في " التنبيه " و " الإرشاد " : لا ، روي عن ابن عباس ، ولأنه يذم على تركه ، فيكون قد وقى بها ماله وعرضه ، ولهذا لو دفع إليه شيئا في غير مؤنته التي عوده إياها تبرعا ، جاز ، نص عليه .

الثانية : يجوز دفع الزكاة إلى الزوج في رواية اختارها القاضي وأصحابه والمؤلف ، وجزم بها في " الوجيز " لحديث زينب امرأة ابن مسعود لما سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - أيجزئ عني أن أنفق على زوجي وأيتام في حجري فقال : " لها أجران " رواه البخاري ، والثانية ، واختارها الخرقي وأبو بكر والمجد وحكاه عن أبي الخطاب : لا يجوز قياسا لأحد الزوجين على الآخر ؛ ولأن النفع يعود إليها لتمكنها من أخذ نفقة الموسرين منه ، أو من أصل النفقة مع العجز الكلي ، وحديث زينب تأوله أحمد في رواية ابن مسيس على غير الزكاة ، وجوابه [ ص: 438 ] بأن الاعتبار بعموم اللفظ ، ولم يستثن جماعة شيئا ، وقيل : يجوز في الزوجين لغرم لنفسه وكتابة ؛ لأنه لا يدفع عنه نفقة واجب كعمودي نسبه .

الثالثة : يجوز دفعها إلى بني المطلب في رواية اختارها " الخرقي " ، والشيخان وغيرهم لعموم آية الصدقات ، خرج منه بنو هاشم بالنص ، فيبقى ما عداهم على الأصل ؛ ولأن بني المطلب في درجة بني أمية ؛ وهو لا يحرم الزكاة عليهم فكذا هم ، وأقرب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - إليه بنو هاشم ، ومشاركة بني المطلب لهم في خمس الخمس ما استحقوه بمجرد القرابة بل بالنصرة ، أو بهما جميعا ، بدليل منع بني عبد شمس ونوفل من خمس الخمس مع مساواتهم لهم في القرابة ، والثانية : نقلها عبد الله ، واختارها القاضي وأصحابه ، وجزم بها في " الوجيز " ، وصححها ابن المنجا : المنع لما روى جبير بن مطعم مرفوعا قال : " بنو المطلب ، وبنو هاشم شيء واحد " رواه البخاري ، ولأنهم يستحقون من خمس الخمس فمنعوا كبني هاشم ، وظاهره ولو منعوا من الخمس ، ولا يبعد أن يتأتى الخلاف هنا ، بل هو أولى بالجواز ، ولم يتعرض المؤلف لمواليهم ، قال القاضي : لا تعرف فيه رواية ، ولا يمتنع أن حكمهم كموالي بني هاشم ؛ وهو ظاهر الخبر والقياس ، وجزم في " الوجيز " بالمنع ، وسئل في رواية الميموني عن مولى قريش : يأخذ الصدقة ؛ قال : ما يعجبني ، قيل له : فإن كان مولى مولى ؛ قال : هذا أبعد فيحتمل التحريم .

( وإن دفعها إلى من لا يستحقها ) كبني هاشم والعبيد ( وهو لا يعلم ) أي : جاهلا بحاله ( ثم علم لم يجزئه ) رواية واحدة ، قاله في " الشرح " ، وفي " الفروع " في الأشهر ؛ لأنه ليس بمستحق ، ولا يخفى حاله غالبا فلم يعذر [ ص: 439 ] بجهالته ، كدين الآدمي ، وجزم به بعضهم في الكفر لتقصيره لظهوره غالبا ، فعلى ذلك يسترد بزيادته مطلقا ، ذكره أبو المعالي ، وشمل ما لو كان المدفوع إليه قريبا ، قاله أصحابنا ، وأطلق فيها في " الرعاية " ، وفي مسألة الغني روايتين ، ونص أحمد : يجزئه ، اختاره المجد لخروجها عن ملكه ، بخلاف ما إذا صرفها وكيل المالك إليه وهو فقير ، فلم يعلما ، لا تجزئ لعدم خروجها عن ملكه ، ( إلا لغني إذا ظنه فقيرا ) فإنه يجزئه ( في إحدى الروايتين ) اختاره أكثر الأصحاب ، وجزم به في " الوجيز " للمشقة ، لخفاء ذلك عادة ، فلا يملكها الآخذ ، والثانية واختارها الآجري ، والمجد ، وغيرهما : لا يجزئه كما لو بان كافرا ، ولحق الآدمي ، فيرجع على الغني بها أو بقيمتها إن تلفت يوم تلفها إذا علم أنها زكاة ، رواية واحدة ، ومن ملك الرجوع فمات قام وارثه مقامه ، وظاهر ما سبق أنه إذا دفع صدقة التطوع إلى فقير فبان غنيا أنه يجزئه ، قاله ابن شهاب ؛ لأن المقصود في الزكاة إبراء الذمة ، ولم تحصل ، فملك الرجوع ، وفي التطوع الثواب ، ولم يفت .

فرع : إذا دفع الإمام أو الساعي الزكاة إلى من ظنه أهلا فبان غيره ، فروايات ، ثالثها : لا يضمن إذا بان غنيا ، ويضمن غيره . قال في " الفروع " : وهو أشهر ، وجزم المجد : لا يضمن مع الغنى ، وفي غيره روايتان .

تنبيه : يشترط تمليك المعطى ، لكن للإمام قضاء دين مديون حي ، والذكر والأنثى فيها سواء ، والصغير كالكبير ، وعنه : إن أكل الطعام ، وإلا لم يجز ، فعلى المذهب : يصرف ذلك في أجرة رضاعه وكسوته ، وما لا بد منه ، ويقبل ويقبض له من يلي ماله ، وكذا الهبة والكفارة قال ابن منصور : قلت لأحمد : قال [ ص: 440 ] سفيان : لا يقبض للصبي إلا الأب أو وصي أو قاض ، قال أحمد : جيد ، وذكر المؤلف احتمالا أنه يصح قبض من يليه من أم أو قريب وغيرهما عند عدم الولي ؛ لأن حفظه عن الضياع والهلاك أولى من مراعاة الولاية ، وقد نص عليه في رواية جماعة .

التالي السابق


الخدمات العلمية