صفحة جزء
فصل

وصدقة التطوع مستحبة ، وهي أفضل في شهر رمضان ، وأوقات الحاجة ، والصدقة على ذي الرحم صدقة وصلة .

وتستحب الصدقة بالفاضل عن كفايته وكفاية من يمونه ، وإن تصدق بما ينقص مؤنة من تلزمه مؤنته أثم ، ومن أراد الصدقة بماله كله وهو يعلم من نفسه حسن التوكل ، والصبر عن المسألة فله ذلك ، وإن لم يثق من نفسه لم يجز له ، ويكره لمن لا صبر له على الضيق أن ينقص نفسه عن الكفاية التامة .


فصل

( وصدقة التطوع مستحبة ) في كل وقت إجماعا ؛ لأنه تعالى أمر بها ، وحث عليها ، ورغب فيها فقال : من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة [ البقرة : 245 ] وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " من تصدق بعدل تمرة من طيب ، ولا يصعد إليه إلا طيب ، فإن الله يقبلها بيمينه ، ثم يربيها لصاحبها حتى تكون مثل الجبل " متفق عليه . من حديث أبي هريرة ، وأفضلها أن تكون سرا بطيب نفس في الصحة للأخبار ؛ وهي أفضل في شهر رمضان لحديث أنس مرفوعا : " أي الصدقة أفضل ؛ قال : صدقة رمضان " رواه الترمذي ، وغربه ، ولمضاعفة الحسنات ، وفيه إعانة على أداء الصوم المفروض ، وكذا كل زمان أو مكان فاضل كالعشر ، والحرمين ، ( وأوقات الحاجة ) لقوله تعالى : أو إطعام في يوم ذي مسغبة الآية ، وروى أبو سعيد مرفوعا قال : " من أطعم مؤمنا جائعا أطعمه الله من ثمار الجنة ، ومن سقى مؤمنا على ظمأ ، سقاه الله من الرحيق المختوم يوم القيامة " ، ويبدأ بمن هو أشد حاجة ، والصدقة على ذي الرحم صدقة وصلة ؛ لقوله - عليه السلام - : " الصدقة على المسكين صدقة ، وعلى ذي الرحم صدقة وصلة " رواه أحمد [ ص: 441 ] والترمذي ، وحسنه من حديث سلمان ، لا سيما مع عداوته ؛ لقوله : " أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح " رواه أحمد ، والجار مثله ؛ وهي عليهم أفضل من العتق . نقله حرب ، والعتق أفضل من الصدقة على الأجانب إلا زمن الغلاء والحاجة ، نقله بكر بن محمد ، واختلف هل حج التطوع أفضل من الصدقة مع الحاجة أم معها على القريب مطلقا ؛ فيه روايات أربع ، وذكر الشيخ تقي الدين أن الحج أفضل ، وأنه مذهب أحمد .

( وتستحب الصدقة بالفاضل عن كفايته ، وكفاية من يمونه ) لقوله تعالى : ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو [ البقرة : 219 ] قال المفسرون : هو الفاضل عن حاجته ، وحاجة عياله ؛ ولأن النفس تطيب به ، ولقوله - عليه السلام - : " خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى ، وابدأ بمن تعول " رواه البخاري من حديث أبي هريرة ، وأطلق المؤلف الكفاية تبعا لغيره ، والمراد دائما كما ذكره في " الشرح " وغيره بمتجر أو غلة ملك أو وقف أو صنعة ، وذكر بعضهم أنه لا يكفي في الأخيرين ، ( وإن تصدق بما ينقص مؤنة من تلزمه مؤنته أثم ) لقوله عليه السلام : " كفى بالمرء إثما أن يضيع من يعول " رواه أحمد ، وأبو داود ، ولمسلم معناه من حديث عبد الله بن عمرو ، وإثمه لتركه الواجب ، قال الأصحاب : وكذا إن أضر بنفسه أو بغريمه أو بكفالته ، وظاهر كلام جماعة إن لم يضر ، فالأصل الاستحباب ، وجزم في " الرعاية " وغيرها أنه يكره التصدق قبل الوفاء والإنفاق الواجب .

[ ص: 442 ] ( ومن أراد الصدقة بماله كله ) وكان منفردا ( وهو يعلم من نفسه حسن التوكل ) وهو عبارة عن الثقة بما عند الله ، واليأس عما في أيدي الناس ، ( والصبر عن المسألة فله ذلك ) وحكاه عياض عن جمهور العلماء وأئمة الأمصار ؛ لقوله تعالى : ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة [ الحشر : 9 ] وجاء أبو بكر بجميع ما عنده فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ما أبقيت لأهلك " فقال : الله ورسوله ، فكان هذا في حق الصديق لقوة يقينه ، وكمال إيمانه ، وهذا يقتضي الاستحباب ، وعن عمر : رد جميع صدقته ، ومذهب أهل الشام ينفذ في الثلث ، وعن مكحول : في النصف ( وإن لم يثق من نفسه لم يجز له ) ذكره أبو الخطاب ، وجزم به في " الوجيز " لما روى جابر مرفوعا قال : " خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى " رواه أبو داود . فيمنع من ذلك ويحجر عليه ، وفي " المغني " و " الشرح " أنه يكره ، فإن كان له عائلة ، ولهم كفاية أو يكفيهم بكسبه ، جاز ما كان عن ظهر غنى لقصة الصديق ، ( ويكره لمن لا صبر له على الضيق ) ولا عادة له به ( أن ينقص نفسه عن الكفاية التامة ) نص عليه ؛ لأن التقتير والتضييق مع القدرة شح وبخل نهى الله عنه ، وتعوذ النبي - صلى الله عليه وسلم - منه ، وفيه سوء الظن بالله تعالى ، وظهر مما سبق أن الفقير لا يقترض ولا يتصدق ، لكن نص أحمد في فقير لقريبه وليمة ، يستقرض ويهدي له ؛ وهو محمول إذا ظن وفاء .

مسألة : يحرم المن بالصدقة وغيرها ؛ وهو كبيرة . نص أحمد فيها ، ويبطل الثواب بذلك ، وللأصحاب فيه خلاف ، وفي بطلان طاعة بمعصية ، واختار [ ص: 443 ] الشيخ تقي الدين الإحباط لمعنى الموازنة ، وأنه قول أكثر السلف ، وإذا أخرج شيئا يتصدق به ، أو وكل في ذلك ثم بدا له ، استحب أن يمضيه ولا يجب ، وعنه : أنه حبيس ، وقد صح عن عمرو بن العاص أنه كان إذا أخرج طعاما لسائل فلم يجده عزله حتى يجيء آخر ، وقاله الحسن ، ومن سأل فأعطي فسخطه ، لم يعط لغيره في ظاهر كلام العلماء .

التالي السابق


الخدمات العلمية