صفحة جزء
[ ص: 3 ] كتاب الصوم يجب صوم شهر رمضان برؤية الهلال فإن لم ير مع الصحو أكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما ، ثم صاموا وإن حال دون منظره غيم أو قتر ليلة الثلاثين ، وجب صيامه بنية رمضان في ظاهر المذهب وعنه لا يجب وعنه : الناس تبع للإمام ، فإن صام صاموا وإذا رئي الهلال نهارا قبل الزوال أو بعده ، فهو لليلة المقبلة


كتاب الصيام .

هو والصوم مصدرا صام .

وفي اللغة عبارة عن الإمساك ومنه إني نذرت للرحمن صوما [ مريم : 26 ] وقول الشاعر :


خيل صيام خيل غير صائمة تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما



لإمساكها عن الصهيل في موضعه ، ويقال : صامت الريح : إذا أمسكت عن الهبوب .

وفي الشرع : إمساك جميع النهار عن المفطرات من إنسان مخصوص مع النية . ( يجب صوم شهر رمضان ) لقوله - تعالى - : كتب عليكم الصيام إلى قوله فمن شهد منكم الشهر فليصمه [ البقرة : 182 ، 183 ] وقوله - صلى الله عليه وسلم - بني الإسلام على خمس فذكر منها صوم رمضان . والإجماع منعقد على وجوبه ، وفرض في السنة الثانية من الهجرة ، فصام - عليه السلام - تسعا ، والمستحب قول : شهر رمضان كما صرح به تبعا للنص ، ولا يكره بإسقاط شهر في قول أكثر العلماء ، وذكر المؤلف أنه يكره إلا مع قرنه الشهر وذكر الشيخ تقي الدين وجها يكره ، وفي " المنتخب " : لا يجوز ، لخبر ، وقد ضعف ، وقال ابن الجوزي : هو موضوع . وسمي رمضان لحر جوف الصائم فيه ورمضه ، والرمضاء : شدة الحر ، وقيل : لما نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة فوافق شدة الحر ، وقيل : لأنه يحرق الذنوب ، وقيل : موضوع لغير معنى ، كبقية الشهور ، وقيل : فيها معان أيضا ( برؤية الهلال ) [ ص: 4 ] لقوله - عليه السلام - صوموا لرؤيته ( فإن لم ير مع الصحو أكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما ثم صاموا ) بغير خلاف ، وصلوا التراويح كما لو رأوه . ويستحب تراءي الهلال احتياطا للصوم ، وحذارا من الاختلاف ، وقد روت عائشة ، قالت كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتحفظ في شعبان ما لا يتحفظ في غيره ، ثم يصوم لرؤية رمضان رواه الدارقطني بإسناد صحيح .

( وإن حال دون منظره ) أي مطلعه ( غيم أو قتر ليلة الثلاثين ، وجب صيامه بنية رمضان في ظاهر المذهب ) اختاره الخرقي ، وأكثر شيوخ أصحابنا ، ونصوص أحمد عليه ، وهو مذهب عمر ، وابنه ، وعمرو بن العاص ، وأبي هريرة ، وأنس ، ومعاوية ، وعائشة وأسماء بنتي أبي بكر ، وقاله جمع من التابعين لما روى ابن عمر مرفوعا قال : إذا رأيتموه فصوموا ، وإذا رأيتموه فأفطروا ، فإن غم عليكم فاقدروا له متفق عليه ، ومعنى فاقدروا له : أي ضيقوا لقوله - تعالى - ومن قدر عليه رزقه [ الطلاق : 7 ] أي ضيق ، وهو أن يجعل شعبان تسعا وعشرين يوما ، ويجوز أن يكون معناه : اقدروا زمانا في مثله الهلال ، وهذا الزمان يصح وجوده فيه ، أو يكون معناه : فاعلموا من طريق الحكم أنه تحت الغيم لقوله - تعالى - إلا امرأته قدرناها من الغابرين [ الحجر : 60 ] أي : علمناها . مع أن بعض المحققين قالوا : إن الشهر أصله تسع ، وعشرون ، يؤيده ما رواه أحمد عن إسماعيل عن أيوب عن نافع قال : كان عبد الله إذا مضى من شعبان تسع ، وعشرون يوما بعث من ينظر له فإن رآه فذاك ، وإن لم يره ، ولم يحل دون منظره سحاب ، ولا قتر أصبح مفطرا ، وإن حال دون منظره سحاب ، أصبح صائما أو قتر ، ولا شك [ ص: 5 ] أنه راوي الخبر وأعلم بمعناه ، فيتعين المصير إليه ، كما رجع إليه في تفسير خيار المتبايعين يؤكده قول علي وأبي هريرة وعائشة : ( لأن أصوم يوما من شعبان أحب إلي من أن أفطر يوما من رمضان ) ، ولأنه يحتاط له ، ويجب بخبر الواحد ، فعلى هذا يصومه حكما ظنيا بوجوبه احتياطا ، ويجزئه إذا بان منه قيل للقاضي : لا يصح إلا بنية ومع الشك فيها لا يجزم بها ؛ فقال لا يمنع التردد فيها للحاجة كالأسير ، وصلاة من خمس . وفي الانتصار يجزئه إن لم يعتبر نية التعيين ، وإلا فلا . وظاهره أنها لا تصلى التراويح ليلتئذ ، واختاره التميميون اقتصارا على النص ، واختار جماعة عكسه قال المجد : هو أشبه بكلام أحمد القيام قبل الصيام ، وعنه : ينويه حكما جازما بوجوبه ، وقاله بعض أصحابنا ، وجزم به في " الوجيز " فعليه يصلي التراويح إذن ، ولا تثبت بقية الأحكام من حلول الآجال ، ووقوع المعلقات ، وانقضاء العدة ، وغير ذلك ، وذكر القاضي احتمالا يثبت كما يثبت الصوم ، وتوابعه من النية ، وتعيينها ووجوب الكفارة بالوطء فيه ، ونحو ذلك .

( وعنه : لا يجب ) صومه قبل رؤية هلاله ، أو إكمال شعبان ، اختاره في " التبصرة " والشيخ تقي الدين ، وقال : هو مذهب أحمد المنصوص الصريح عنه ، وقاله أكثر العلماء لما روى أبو هريرة مرفوعا : ( صوموا لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم ، فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما ) متفق عليه ، ولفظه للبخاري ، ولأنه يوم شك وهو منهي عن صومه ، والأصل بقاء الشهر فلا ينتقل عنه بالشك ، وأجيب بأن خبر أبي هريرة يرويه محمد بن زياد ، وقد خالفه سعيد بن المسيب فرواه عن أبي هريرة .

( فإن غم عليكم فصوموا ثلاثين ) وروايته أولى لإمامته ، واشتهار ثقته ، وعدالته [ ص: 6 ] وموافقته لرأي أبي هريرة . وقال الإسماعيلي : ذكر شعبان فيه من تفسير ابن أبي إياس ، وليس هو بيوم شك كما يأتي .

( وعنه : الناس تبع للإمام فإن صام صاموا ) وإن أفطر أفطروا وجوبا ، وهو قول الحسن ، وابن سيرين ، لقوله - عليه السلام - ( الصوم يوم تصومون ، والفطر يوم تفطرون ) رواه الترمذي ، وقال : حسن غريب من حديث أبي هريرة فمعناه : أن الصوم والفطر مع الجماعة وعظم الناس واجب ، وقال أحمد السلطان في هذا أحوط ، وأنظر للمسلمين ، وأشد تفقدا ، ويد الله على الجماعة فيتحرى في كثرة كمال الشهور قبله ونقصها ، واختاره بمن لا يكتفى به وغير ذلك من القرائن ، وقال ابن عقيل : يعمل بعادة غالبة لمضي شهرين كاملين والثالث ناقص ، وهو معنى التقدير وعنه : صومه منهي عنه ، اختاره أبو القاسم بن منده وأبو الخطاب ، وابن عقيل لأنه يوم شك وفيه نظر ، فقيل يكره ، وقيل يحرم ، وإذا لم يجب صومه وجب أداء الشهادة بالرؤية وإن لم يسأل عنها .

فرع إذا نواه احتياطا بلا مستند شرعي فبان ، منه لم يجزئه في رواية ، وعنه بلى ، وعنه : يجزئه ، ولو اعتبرت نية التعيين . ولا يحكم بطلوع الهلال بنجوم أو حساب ، ولو كثرت إصابتهما .

( وإذا رئي الهلال نهارا قبل الزوال ، أو بعده فهو لليلة المقبلة ) هذا هو المشهور ، وقاله أكثر العلماء لما روى أبو وائل قال : جاءنا كتاب عمر أن الأهلة بعضها أكبر من بعض ، فإذا رأيتم الهلال نهارا ، فلا تفطروا حتى تمسوا ، أو يشهد رجلان مسلمان أنهما رأياه بالأمس عشية ، رواه الدارقطني فعلى هذا لا يجب به صوم [ ص: 7 ] ولا يباح به فطر ، ورؤيته نهارا ممكنة لعارض يعرض في الجو يقل به ضوء الشمس أو يكون قوي النظر ، وعنه : بعد الزوال للمقبلة ، وقبله للماضية ، اختاره أبو بكر ، والقاضي ، وقدمه في " المحرر " للقرب من كل ، واحدة منهما ، وعنه : بعد الزوال آخر الشهر للمقبلة احتياطا ، وعنه : آخر الشهر للمقبلة مطلقا .

فائدة : يقال إلى الزوال : رأيت الليلة ، وبعده يقال : رأيت البارحة . قاله ثعلب هذا باعتبار الحقيقة ، ومنع ذلك مطلقا لا وجه له .

التالي السابق


الخدمات العلمية