صفحة جزء
ويقبل في هلال رمضان قول عدل ، ولا يقبل في سائر الشهور إلا عدلان وإن صاموا بشهادة اثنين ثلاثين يوما فلم يروا الهلال ، أفطروا وإن صاموا بشهادة واحد فعلى وجهين ، وإن صاموا لأجل الغيم لم يفطروا ومن رأى هلال رمضان وحده وردت شهادته لزمه الصوم ، وإن رأى هلال شوال وحده لم يفطر وإذا اشتبهت الأشهر على الأسير ، تحرى ، وصام فإن وافق الشهر أو بعده ، أجزأه وإن وافق قبله لم يجزئه .


( ويقبل في هلال رمضان قول عدل واحد ) نص عليه ، وحكاه الترمذي عن أكثر العلماء ، لأنه - عليه السلام - صوم الناس بقول ابن عمر . رواه أبو داود والحاكم ، وقال على شرط مسلم ، ولقبوله خبر الأعرابي به . رواه أبو داود و الترمذي من حديث ابن عباس ، ولأنه خبر ديني ، وهو أحوط ، ولا تهمة فيه ، بخلاف آخر الشهر ، ولاختلاف حال الرائي والمرئي ، ولهذا لو حكم حاكم بشهادة واحد ، وجب العمل بها . وظاهره لا فرق بين الغيم والصحو ، ولا بين المصر وخارجه . وقال أبو بكر : إن جاء من خارج المصر أو رآه فيه لا في جماعة قبل واحد . وشذ في " الرعاية " فقال : وقيل : يقبل قول واحد حتى مع غيم أو قتر . وعنه : يعتبر عدلان كبقية الشهور ، فعلى المذهب هو خبر ، فتقبل المرأة والعبد ، ولا يختص بحاكم ، فيلزمه الصوم من سمعه من عدل . زاد بعضهم : ولو رد الحاكم قوله ، ولا يعتبر لفظ الشهادة ، وقيل : بلى ، فتنعكس الأحكام . وفي المستور والمميز الخلاف ، وفي " المستوعب " لا يقبل صبي ، وإذا ثبت بقول الواحد ، ثبتت بقية الأحكام .

( ولا يقبل في سائر الشهور إلا عدلان ) حكاه الترمذي إجماعا ، أي : رجلان لقول ابن عمر ، وابن عباس : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يجيز على شهادة الإفطار إلا شهادة رجلين ، ولأنه ليس بمال ، ولا يقصد به المال ، ولا احتياط فيه ، أشبه الحدود ، وعنه : يقبل فيه واحد كأبي ثور ، وكأوله ، وقيدها في " الرعاية " بوضع ليس فيه غيره [ ص: 9 ] وظاهره لا يقبل رجل وامرأتان ، ولا النساء المفردات ، لأنه ما عليه الرجال ولا يعتبر التواتر في العيدين مع الغيم ( وإن صاموا بشهادة اثنين ثلاثين يوما فلم يروا الهلال أفطروا ) وجها واحدا ، قاله في الشرح لحديث عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : وإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا رواه النسائي ، وقيل : لا مع صحو ، اختاره أبو محمد الجوزي ، لأن عدم الهلال يقين فيقدم على الظن وهي الشهادة ، ( وإن صاموا بشهادة واحد فعلى وجهين ) وقيل : هما روايتان إحداهما : لا يفطر قدمه في " المحرر " لأنه فطر لم يجز أن يستند إلى واحد كما لو شهد بشوال ، والثاني وجزم به في " الوجيز " أنهم يفطرون لثبوته تبعا ، كالنسب لا يثبت بشهادة النساء ، ويثبت بها الولادة ، وقيل : لا فطر مع الغيم ، ( وإن صاموا لأجل الغيم ، لم يفطروا ) وجها واحدا قاله في الشرح ، لأن الصوم إنما كان احتياطا ، فمع موافقته للأصل - وهو بقاء رمضان - أولى ، وقيل : بلى قال في " الرعاية " إن صاموا جزما مع الغيم ، أفطروا ، وإلا فلا ، فعلى الأول إن غم هلال شعبان ورمضان ، فقد يصوم اثنين وثلاثين يوما حيث نقصنا رجبا وشعبان وكانا كاملين ، وكذا الزيادة إن غم هلال رمضان وشوال ، وأكملنا شعبان ورمضان وكانا ناقصين ، ونقل النووي عن العلماء أنه لا يقع النقص متواليا في أكثر من أربعة أشهر .

فرع إذا صاموا ثمانية وعشرين يوما ، ثم رأوا هلال شوال قضوا يوما فقط نقله حنبل ، واحتج بقول علي ، ولبعد الغلط بيومين ، قال في " الفروع " : ويتوجه تخريج [ ص: 10 ] ( ومن رأى هلال رمضان وحده وردت شهادته ) لمانع ( لزمه الصوم ) وحكمه للعموم ، وكعلم فاسق بنجاسة ماء ، أو دين على موروثه ، ولأنه يتيقن أنه من رمضان فلزمه صومه كما تلزم الأحكام التي هي من خصائص الرمضانية بخلاف غيره من الناس ، ونقل حنبل : لا يلزمه الصوم ، واختاره الشيخ تقي الدين ، وروي عن الحسن وابن سيرين ، لأنه محكوم أنه من شعبان ، أشبه التاسع والعشرين ، وكذا قال : لا يلزمه شيء من أحكامه ، وعلى الأول : هل يفطر يوم الثلاثين من صيام الناس فيه وجهان ، ويتوجه عليهما وقوع طلاقه ، وحل دينه المعلقين به ( وإن رأى هلال شوال وحده لم يفطر ) نقله الجماعة للخبر السابق ، وقاله عمر وعائشة ، ولاحتمال خطئه وتهمته فوجب الاحتياط ، وكما لا يعرف ، ولا يضحي وحده ، قاله الشيخ تقي الدين ، قال : والنزاع مبني على أصل وهو أن الهلال هل هو اسم لما في السماء وإن لم يشتهر ، ولم يظهر أو أنه لا يسمى هلالا إلا بالظهور ، والاشتهار فيه قولان للعلماء هما روايتان عن أحمد ، وقال أبو حكيم يتخرج أن يفطر ، اختاره أبو بكر ، قال ابن عقيل : يجب أن يفطر سرا ، لأنه يتيقنه يوم العيد .

تنبيه : إذا رآه عدلان ، ولم يشهدا عند الحاكم ، أو شهد أفردهما لجهله بحالهما لم يجز لأحدهما ، ولا لمن عرف عدالتهما الفطر بقولهما في قياس المذهب ، لأن ردهما ليس بحكم ، وإنما هو توقف لعدم علمه ، وفي " المغني " و " الشرح " الجواز ، لقوله : ( فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا ) رواه النسائي .

( وإذا اشتبهت الأشهر على الأسير ) والمطمور ومن بمغارة ، ونحوهم ( تحرى ) وهو أن يجتهد في معرفة شهر رمضان ، لأنه أمكنه تأدية فرضه بالاجتهاد ، فلزمه كاستقبال القبلة ( وصام فإن وافق الشهر أو بعده ، أجزأه ) كالصلاة ، وكما لو لم [ ص: 11 ] ينكشف له الحال لتأدية فرضه بالاجتهاد ، ولا يضر التردد في النية لمكان الضرورة فلو وافق رمضان السنة القابلة ، فقال المجد : قياس المذهب لا يجزئه عن واحد منهما إن اعتبرنا نية التعيين ، وإلا وقع عن الثاني ، وقضى الأول . ويعتبر أن يكون ما صامه بقدر أيام شهره الذي فاته سواء ، وافق ما بين الهلالين أو لا ، ذكره في " المغني " و " الشرح " . وظاهر " الخرقي " أنه متى وافق شهرا بعده أجزأه وإن كان ناقصا ورمضان تاما . قاله القاضي ، وصاحب " التلخيص " وأورده المجد مذهبا كالنذر ، وفرق في " الشرح " بأن النذر مطلق ، فيحمل على ما تناوله الاسم والقضاء يجب أن يكون بعذر المتروك ( وإن وافق قبله لم يجزئه ) نص عليه ، لأنه أتى بالعبادة قبل وقتها فلم يجزئه كالصلاة ، فلو وافق بعضه رمضان ، فما وافقه أو بعده ، أجزأه دون ما قبله ، ولو صام شعبان ثلاث سنين متوالية ، ثم علم صام ثلاثة أشهر شهرا بعد شهر كالصلاة ، إذا فاتته ، نقله مهنا . وإن ظن أن الشهر لم يدخل فصام ، لم يجزئه .

التالي السابق


الخدمات العلمية