صفحة جزء
[ ص: 14 ] ومن عجز عن الصوم لكبر أو مرض لا يرجى برؤه ، أفطر وأطعم كل يوم مسكينا . والمريض إذا خاف الضرر والمسافر استحب لهما الفطر ، وإن صاما ، أجزأهما ولا يجوز أن يصوما في رمضان عن غيره . ومن نوى الصوم في سفره فله الفطر وإن نوى الحاضر صوم يوم ، ثم سافر في أثنائه فله الفطر وعنه : لا يجوز


( ومن عجز عن الصوم لكبر ) وهو الهم والهمة ( أو مرض لا يرجى برؤه أفطر ) أي : له ذلك إجماعا ( وأطعم عن كل يوم مسكينا ) لقول ابن عباس : في قوله - تعالى - وعلى الذين يطيقونه فدية ليست بمنسوخة هي للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان الصوم يطعمان مكان كل يوم مسكينا . رواه البخاري ، ومعناه عن ابن أبي ليلى عن معاذ ولم يدركه . رواه أحمد . والمراد بالإطعام : ما يجزئ في الكفارة ، فلو كان الكبير مسافرا ومريضا فأفطر ، فلا فدية عليه ذكره في " الخلاف " ولا قضاء للعجز عنه ، ويعايا بها ، وإن أطعم ثم قدر على القضاء ، فكمعضوب حج عنه ثم عوفي ذكره المجد . وظاهره أنه لا يجب القضاء بل يتعين الإطعام .

( والمريض إذا خاف الضرر والمسافر ) وهو من له القصر ( استحب لهما الفطر ) لقوله - تعالى - فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر أي : فأفطر ، وقد روى الترمذي مرفوعا : إن الله وضع عن المسافر الصوم وقال : حديث حسن . ولأن فيه قبول الرخصة مع التلبس بالأخف ، لقوله - عليه السلام - : ما خيرت بين أمرين إلا اخترت أيسرهما ويشترط له أن يخاف زيادة المرض أو بطء برئه ، فإن لم يتضرر به لم يفطر ، وجزم به في " الرعاية " في وجع رأس وحمى ، ثم قال إلا أن ينضر ، قيل لأحمد : متى يفطر المريض ؛ قال : إذا لم يستطع قيل : مثل الحمى ؛ قال : وأي مرض أشد من الحمى . فلو خاف تلفا بصومه كره ، وجزم جماعة بأنه يحرم ، ولم يذكروا خلافا في الإجزاء ( وإن صاما أجزأهما ) نقله الجماعة ، ونقل حنبل في المسافر : لا يعجبني ، واحتج بقوله - عليه [ ص: 15 ] السلام - : ليس من البر الصوم في السفر وعمر وأبو هريرة يأمرانه بالإعادة ، والسنة الصحيحة ترد هذا القول ، وحملها على رواية الجماعة أولى من عدم الإجزاء وظاهره أنه يجزئ كراهة ، وقد سأله إسحاق بن إبراهيم عن الصوم فيه لمن قوي فقال : لا يصوم . وحكاه المجد عن الأصحاب . قال : وعندي لا يكره لمن قوي ، واختاره الآجري . وليس الصوم فيه أفضل ، وفرق بينه وبين رخصة القصر أنها مجمع عليها تبرأ بها الذمة ، ورد بصوم المريض ( ولا يجوز أن يصوما في رمضان عن غيره ) من قضاء وفدية وغيرهما ، لأن الفطر أبيح تخفيفا ورخصة ، فإذا لم يرده لزمه الإتيان بالأصل كالجمعة ، وكالمقيم الصحيح ، ولأنه لو قبل صوما من المعذور ، لقبله من غيره كسائر الزمان المتضيق للعبادة ، فلو نوى صوما غير رمضان فهل يقع باطلا أم يقع ما نواه ؛ هي مسألة تعيين النية .

تنبيه : إذا خاف من به شبق تشقق أنثييه ، أو به مرض ينتفع فيه بوطء ساغ له الوطء ، وقضى بلا كفارة نقله الشالنجي إن لم تندفع شهوته بغيره ، وإلا لم يجز ، وكذا إن أمكنه أن لا يفسد صوم زوجته لم يجز ، وإلا جاز للضرورة فوطء صائمة أولى من حائض ، وقيل : يتخير ، وإن تعذر قضاؤه لدوام شبقه فككبير عجز عنه .

( ومن نوى الصوم في سفره فله الفطر ) لفطره - عليه السلام - كما روي في الأخبار الصحيحة . وظاهره ولو بالجماع ، لأن من له الأكل له الجماع كمن لم ينو ، وذكر جماعة أنه يفطر بنية الفطر فيقع الجماع بعده ، وعنه : لا يجوز بالجماع ، لأنه لا يقوى على السفر ، فعليها إن جامع كفر ، والمذهب : لا . قال في " الفروع " : وهو [ ص: 16 ] أظهر ( وإن نوى الحاضر صوم يوم ثم سافر في أثنائه فله الفطر ) لظاهر الآية ، والأخبار الصريحة منها ما روى عبيد بن جبير قال : ركبت مع أبي بصرة الغفاري من الفسطاط في شهر رمضان ، ثم قرب غداءه فقال : اقترب قلت : ألست ترى البيوت ؛ قال : أترغب عن سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ فأكل رواه أبو داود . ولأن السفر يبيح الفطر ، فأباحه في أثناء النهار كالمرض الطارئ ولو بفعله ، والصلاة لا يشق إتمامها ، وهي آكد لأنها متى وجب إتمامها لم يقصر بحال وترك الفطر أفضل سواء سافر طوعا أو كرها ، ذكره جماعة ، فيعايا بها . وليس له الفطر قبل خروجه ، لأنه ليس مسافرا ( وعنه : لا يباح ) وقاله له أكثر العلماء لأن الصوم عبادة تختلف بالسفر ، والحضر ، فإذا اجتمعا غلب حكم الحضر كالصلاة ، وعنه : لا يجوز بجماع لآكديته ، فعلى المنع يكفر من ، وطئ ، وجعلها بعضهم كمن نوى الصوم في سفره ثم جامع .

التالي السابق


الخدمات العلمية