صفحة جزء
فصل ولا يصح صوم واجب إلا أن ينويه من الليل معينا وعنه : لا يجب تعيين النية لرمضان ، ولا يحتاج إلى نية الفرضية ، وقال ابن حامد : يجب ذلك ، ولو نوى إن كان غدا من رمضان ، فهو فرضي ، وإلا فهو نفل ، لم يجزئه ومن نوى الإفطار ، أفطر . ويصح صوم النفل بنية من النهار قبل الزوال وبعده ، وقال القاضي : لا يجزئ بعد الزوال


فصل ( ولا يصح صوم واجب إلا أن ينويه من الليل ) لما روى ابن عمر عن حفصة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له رواه الخمسة ، قال الترمذي والخطابي : رفعه عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن الزهري عن سالم عن أبيه ، وعمرو من الثقات ، ووافقه على رفعه ابن جريج عن الزهري ، رواه النسائي ، ولم [ ص: 19 ] يثبت أحمد رفعه ، وصحح الترمذي أنه موقوف على ابن عمر . وعن عائشة مرفوعا : من لم يبيت الصيام قبل طلوع الفجر فلا صيام له رواه الدارقطني ، وفي لفظ للزهري : من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له .

لا يقال قد ورد في صوم عاشوراء بنية من النهار ، لأن وجوبه كان نهارا لمن صام تطوعا ثم نذره ، على أن جماعة ذكروا أنه ليس بواجب ، ولأن النية عند ابتداء العبادة كالصلاة . وظاهره أنه في أي وقت من الليل نوى أجزأه لإطلاق الخبر ، وسواء وجد بعدها ما يبطل الصوم كالجماع ، والأكل ، أو لا ، نص عليه فلو بطلت فات محلها ، وقال ابن حامد : تبطل إذا أتى بالمنافي كما لو فسخ النية أو نسيها أو أغمي عليه حتى طلع الفجر ، وإن نوت الحائض صوم الغد ، وقد عرفت الطهر ليلا ، فوجهان وظاهره أنه لا يصح في نهار يوم كصوم غد ، وكنيته من الليل صوم بعد غد ، وعنه : يصح ما لم يفسخها ، وحملها القاضي على أنه استصحبها إلى الليل ، وهو ظاهر ، ويعتبر لكل يوم نية مفردة ; لأنها عبادات بدليل أنه لا يفسد يوم بفساد آخر ، وكالقضاء ، وعنه : يجزئ في أول رمضان نية واحدة لكله ، نصرها أبو يعلى الصغير . وعلى قياسه النذر المعين ونحوه ، فلو أفطر يوما بعذر أو غيره لم يصح صيام الباقي بتلك النية ، جزم به في " المستوعب " وغيره ، وقيل : يصح مع بقاء التتابع ، قدمه في " الرعاية " ( معينا ) أي : لا بد أن يعتقد أنه يصوم من رمضان ، أو من قضائه أو نذره أو كفارته ، نص عليه ، واختاره الأصحاب لقوله : " إنما الأعمال بالنية وإنما لامرئ ما نوى ، وكالقضاء والكفارة ، ولأن التعيين مقصود في نفسه ، فلو خطر بقلبه نقله ليلا أنه صائم غدا [ ص: 20 ] فقد برئ قال بعض أصحابنا : الأكل والشرب بنية الصوم عندنا نية ، قال الشيخ تقي الدين : هو حين يتعشى يتعشى عشاء من يريد الصوم ، بدليل ليلة العيد من غيرها .

( وعنه : لا يجب تعيين النية لرمضان ) لأن التعيين يراد للتمييز ، وهذا الزمان يتعين ، وكالحج فعليها يصح بنية مطلقة ، ونية نفل ، ونية فرض تردد فيها ، واختار المجد صحته بنية مطلقة لتعذر صرفه إلى غير رمضان ، واختار حفيده : يصح مطلقا مع الجهل ، فإن كان عالما فلا كمن دفع وديعة رجل إليه على طريق التبرع ثم تبين أنه كان حقه ، فإنه لا يحتاج إلى إعطاء ثان ، ( ولا يحتاج ) مع التعيين ( إلى نية الفرضية ) لأن الواجب لا يكون إلا فرضا فأجزأ التعيين عنه ، ( وقال ابن حامد : يجب ذلك ) كالصلاة ، ( ولو نوى إن كان غدا من رمضان فهو فرضي ) أي : الذي فرضه الله علي ، ( وإلا فهو نفل ، لم يجزئه ) على المشهور في المذهب ; لأنه لم يعين الصوم من رمضان حزما ، وعلى الثانية : يجزئه ، ونقل صالح : أنه يصح بالنية المترددة والمطلقة مع الغيم دون الصحو ;لوجوب صومه ، فلو نوى إن كان غدا من رمضان فصومي عنه ، وإلا فهو عن واجب عينه بنيته لم يجزئه عن ذلك الواجب ، وفي إجزائه عن رمضان الروايتان إذا بان منه ، وإن قال : وإلا فأنا مفطر ، لم يصح ، وإن نوى الرمضانية بلا مستند شرعي ، فعلى الخلاف إذا بان منه ، وإن كان عن مستند شرعي أجزأه كالمجتهد في الوقت .

فرع إذا قال : أنا صائم غدا إن شاء الله - تعالى - فإن قصد بالمشيئة الشك والتردد في العزم والقصد ، فسدت نيته ، وإلا لم تفسد ذكره في " التعليق " و " الفنون " ; لأنه إنما قصد أن فعله للصوم بمشيئة الله وتوفيقه ، وتيسيره كما لا يفسد [ ص: 21 ] الإيمان به غير متردد في الحال ، وطرده القاضي في سائر العبادات بأنها لا تفسد بذكر المشيئة في نيتها .

( ومن نوى الإفطار أفطر ) نص عليه ، وفي " الشرح " هو ظاهر المذهب ; لأنه عبادة من شرطه النية ففسد بنية الخروج كالصلاة . ولأن الأصل اعتبار النية في جميع أجزاء العبادة ، لكن لما شق اعتبار حقيقتها اعتبر بناء حكمها ، وهو أن لا ينوي قطعها فإذا نواه زالت حقيقة وحكما ، وقال ابن حامد : لا تبطل كالحج مع بطلان الصلاة عنده ، وأجيب بأن الحج يصح بنية مطلقة ومبهمة ، وقوله : أفطر أي : صار كمن لم ينو لا كمن أكل . فلو كان في نفل يقطعه ثم نواه جاز نص عليه ، وكذا لو كان في نذر أو كفارة أو قضاء فقطع بنيته ثم نوى نفلا جاز ، ولو قلت : نية نذر وقضاء إلى النفل فكمن انتقل من فرض صلاة إلى نفلها ، وعلى المذهب : لو تردد في الفطر ، أو نوى أنه سيفطر ساعة أخرى ، أو إن وجدت طعاما ، أكلت وإلا أتممت ، فكالخلاف في الصلاة ، ( ويصح صوم النفل بنية من النهار وقبل الزوال وبعده ) نص عليه ، واختاره أكثر الأصحاب ، منهم القاضي في أكثر تصانيفه ، لما روت عائشة قالت : دخل علي النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم فقال : هل عندكم شيء ؛ قلنا : لا قال : فإني إذن صائم رواه مسلم ، ويدل عليه حديث عاشوراء ، ولأن الصلاة خفف نفلها عن فرضها فكذا الصوم ، ولما فيه من تكثيره ; لكونه يعن له من النهار فعفي عنه ، ( وقال القاضي ) في " المجرد " وتبعه ابن عقيل ( لا يجزئ بعد الزوال ) لأن فعله - عليه السلام - إنما هو في الغداء ، وهو قبل الزوال ، ولأن النية لم تصحب العبادة في معظمها ، أشبه ما لو نوى مع الغروب ، وأجيب بأنه نوى في جزء منه يصح كأوله ، وجميع الليل وقت لنية الفرض فكذا النهار

التالي السابق


الخدمات العلمية