صفحة جزء
[ ص: 39 ] باب ما يكره للصائم فعله وما يستحب وحكم القضاء يكره للصائم أن يجمع ريقه فيبلعه ، وأن يبلع النخامة ، وهل يفطر بهما ؛ على روايتين ويكره ذوق الطعام ، وإن وجد طعمه في حلقه ، أفطر ويكره مضغ العلك الذي لا يتحلل منه أجزاء ولا يجوز مضغ ما يتحلل منه أجزاء إلا أن لا يبلع ريقه ، ومتى وجد طعمه في حلقه أفطر وتكره القبلة إلا أن يكون ممن لا تحرك شهوته على إحدى الروايتين ويجب عليه اجتناب الكذب ، والغيبة والشتم فإن شتم استحب أن يقول : إني صائم .


باب : ما يكره للصائم فعله ، وما يستحب ، وحكم القضاء . ( يكره للصائم أن يجمع ريقه فيبلعه ) ; لأنه اختلف في الفطر به ، وأقل أحواله أن يكون مكروها . وظاهره ولو قصدا ، وبأنه إذا ابتلعه من غير جمع أنه لا يكره بغير خلاف ; لأنه لا يمكن التحرز منه كغبار الطريق ، ( و ) يكره ( أن يبلع النخامة ) إذا حصلت في فيه للاختلاف في الفطر بها ، ( وهل يفطر بهما ؛ ) أي : بكل من الريق المجموع ، والنخامة ( على روايتين ) إحداهما : لا يفطر بذلك جزم به في " الوجيز " وهو الأصح في الريق ، لأنه غير واصل من خارج أشبه إذا لم يجمعه ، والثاني : يفطر ; لأنه يمكن التحرز منه كغبار الدقيق ، فعليها : يحرم فعله كما لو خرج إلى بين أصابعه أو شفتيه ، وفي " منتهى الغاية " ظاهر شفتيه ثم عاد فابتلعه فإنه يفطر كبلع ريق غيره .

لا يقال روى أبو داود عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقبلها وهو صائم ، ويمص لسانها لضعف إسناده بل قال أبو داود : ليس بصحيح . ويجوز أن يكون مصه حالة الصوم ، ولو سلم فيحمل على عدم ابتلاع ما عليه ، فلو أخرج من فيه حصاة أو درهما أو خيطا ثم أعاده ، فإن كثر ما عليه ، أفطر ، وإلا فلا ، في الأصح ، لعدم تحقق انفصاله ، ودخوله إلى حلقه كالمضمضة ، ولو أخرج لسانه ثم أعاده لم يفطر ;لأن الريق لم ينفصل عن محله ، واختار ابن عقيل خلافه ، ( وأما النخامة ) فكثير من أصحابنا أطلق الخلاف ، والمذهب أنه يفطر بها سواء كانت من جوفه أو صدره أو دماغه إذا ، وصلت إلى فيه ، وصرح في " الفروع " بالفطر بالتي من جوفه ; لأنها من غير الفم كالقيء ، والثانية يفطر نقلها المروذي لاعتيادها في الفم كالريق ، وعليهما ينبني التحريم .

[ ص: 40 ] فرع : إذا تنجس فمه بدم أو قيء ونحوه ، فبلعه ، أفطر ، نص عليه ، وإن قل; لإمكان التحرز منه ، ولأن الفم في حكم الظاهر يقتضي حصر الفطر بكل ، واصل إليه لكن عفي عن الريق للمشقة ، وإن بصقه وبقي فمه نجسا ، فابتلع ريقه فإن كان معه جزء من النجس ، أفطر به ، وإلا فلا .

( ويكره ذوق الطعام ) ; لأنه لا يأمن أن يصل إلى حلقه فيفطره . وظاهره لا فرق بين أن يكون لحاجة أو غيرها . قال أحمد : أحب أن يجتنب ذوق الطعام فإن فعل ، فلا بأس ، والمنصوص عنه : أنه لا بأس به لحاجة أو مصلحة ، وحكاه هو والبخاري عن ابن عباس ( وإن وجد طعمه في حلقه أفطر ) لأن وجود طعمه في حلقه دليل على وصول شيء من أجزائه ، وعلى المنصوص عليه أن يستقصي بالبصق . ثم إن وجد طعمه في حلقه ، لم يفطر كالمضمضة ، وإلا فيفطر لتفريطه .

( ويكره مضغ العلك ) القوي الذي كلما مضغته صلب ، وقوي ( الذي لا يتحلل منه أجزاء ) نص عليه ; لأنه يحلب الفم ، ويجمع الريق ، ويورث العطش . قال في " الفروع " : ويتوجه احتمال ; لأنه روي عن عائشة وعطاء ، وكوضع الحصاة في فيه ، وهو أظهر . قال أحمد : من ، وضع في فيه درهما أو دينارا لا بأس به ما لم يجد طعمه في حلقه ، وإلا فلا يعجبني .

وقال عبد الله : سألت أبي عن الصائم يفتل الخيط يعجبني أن يبزق ، ( ولا يجوز مضغ ما يتحلل منه أجزاء ) مطلقا إجماعا ; لأنه يكون قاصدا لإيصال شيء من خارج إلى جوفه مع الصوم ، وهو حرام ( إلا أن لا يبلع ريقه ) ذكره في " المغني " و " الشرح " وهو ظاهر " الوجيز " لأن المحرم إدخال ذلك إلى جوفه ، ولم يوجد ( ومتى وجد طعمه في حلقه ، أفطر ) ; لأنه أوصله إلى جوفه أشبه ما لو تعمد [ ص: 41 ] أكله ، وهذا وجه ، والثاني : لا يفطر ; لأنه لم ينزل منه شيء ، ومجرد الطعم لا يفطر كمن لطخ باطن قدمه بحنظل ، بخلاف الكحل ، فإن أجزائه تصل إلى الحلق ، وقيل في تحريم ما لا يتحلل غالبا ، وفطره بوصوله أو طعمه إلى حلقه وجهان ، وقيل : يكره بلا حاجة .

( وتكره القبلة ) لمن تحرك شهوته فقط ، لقول عائشة : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقبل وهو صائم ، ويباشر وهو صائم ، وكان أملككم لإربه . متفق عليه . ولفظه لمسلم ، وإذا منع الوطء ، منع دواعيه كالإحرام ، وعنه : يحرم ، جزم به في " المستوعب " وغيره كما لو ظن الإنزال معها لفرط شهوته . ذكره المجد بغير خلاف ، واقتصر عليه في " الشرح " أيضا ، فإن خرج منه شيء فقد سبق ، وإن لم يخرج منه شيء لم يفسد صومه إجماعا ( إلا أن يكون ممن لا تحرك شهوته ) كالشيخ الكبير فإنه لا يكره ( على إحدى الروايتين ) ; لأنها مباشرة لغير شهوة أشبهت لمس اليد لحاجة ، والثانية : تكره لاحتمال حدوث الشهوة ، وكالإحرام ، وألحق في " الكافي " بالقبلة اللمس ، وتكرار النظر لأنهما في معناها . وظاهره إن لمسها لغير شهوة لا يكره وفاقا ، كما إذا لمس يدها ليعرف موضعها ونحوه ، وكحالة الإحرام أشبه لمس ثوبها .

فرع : يكره أن يدع بقية طعام بين أسنانه ، وشم ما لا يأمن أن يجذبه نفسه إلى حلقه كسحيق مسك ، وكافور ، ودهن ونحوه ، وقاله في " المستوعب " وغيره .

( ويجب عليه اجتناب الكذب ) وهو الإخبار بما لا يطابق المخبر عنه ، بخلاف الصدق ( والغيبة ) وهو ذكر الإنسان بما يكره ، بهذا فسره النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبي هريرة رواه مسلم ( والشتم ) وهو السب وما في معنى ذلك من النميمة والفحش [ ص: 42 ] إجماعا ، وفي رمضان ومكان فاضل آكد لقوله - عليه السلام - : من لم يدع قول الزور ، والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه ، وشرابه رواه البخاري من حديث أبي هريرة ، ومعناه الزجر والتحذير . وظاهره أنه لا يفطر بذلك ، قال أحمد : لو كانت الغيبة تفطر ما كان لنا صوم ، وذكره المؤلف إجماعا ، وذكر الشيخ تقي الدين وجها : يفطر بغيبة ونميمة ، ونحوهما قال في " الفروع " : فيتوجه منه احتمال : يفطر بكل محرم ، وقال أنس إذا اغتاب الصائم ، أفطر ، وعن إبراهيم قال : كانوا يقولون : الكذب يفطر الصائم ، وعن الأوزاعي : أن من شاتم فسد صومه لظاهر النهي ، وذكر بعض أصحابنا رواية يفطر بسماع الغيبة ، وأسقط أبو الفرج ثوابه بالغيبة ، ومراد المؤلف بالاجتناب عما يحرم من ذلك ، فإنهم نصوا على إباحة الكذب لغرض صحيح شرعي في مواضع ، وعلى إباحة الغيبة كالتظلم والاستفتاء ، والاستعانة على تغيير منكر ، والتحذير ، والتعريف ، والجرح .

وبالجملة ، فينبغي للصائم أن يتعاهد صومه من لسانه ، ولا يماري به ;لأنهم كانوا إذا صاموا جلسوا في المساجد ، وقالوا نحفظ صومنا ، ولا نغتاب أحدا ، ولا نعمل عملا يجرح به صومه قاله أحمد .

ويسن له تلاوة القرآن ، وكان مالك يترك أصحاب الحديث في شهر رمضان ، ويقبل على تلاوة القرآن ، وكان الشافعي يقرأ ستين ختمة .

والذكر ، قال إبراهيم : تسبيحة في رمضان خير من ألف تسبيحة فيما سواه .

والصدقة ، للأخبار الواردة فيها ( فإن شتم استحب أن يقول : إني صائم ) لما في " الصحيح " : إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ، ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله ، فليقل : إني صائم . متفق عليه . من حديث أبي هريرة . وظاهره [ ص: 43 ] أنه يجهر بذلك ، واختاره الشيخ تقي الدين ، لأن القول المطلق باللسان ، وفي " الرعاية " يقوله مع نفسه ، ولا يطلع الناس عليه للرياء ، واختاره المجد إن كان في غير رمضان ، وإلا جهر به ; للأمن من الرياء ، وفيه زجر عن مشاتمته لأجل حرمة الوقت .

التالي السابق


الخدمات العلمية