صفحة جزء
ويكره إفراد رجب بالصوم ، وإفراد يوم الجمعة ويوم السبت ويوم الشك ، ويوم النيروز والمهرجان إلا أن يوافق عادة ولا يجوز صوم يومي العيدين عن فرض ولا تطوع ، وإن قصد صيامهما كان عاصيا ولم يجزئه عن فرض ، ولا يجوز صيام أيام التشريق تطوعا وفي صومها عن فرض روايتان .


( ويكره إفراد رجب بالصوم ) لما روى ابن ماجه عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن صيامه ، وفيه داود بن عطاء ، وقد ضعفه أحمد وغيره ، ولأن فيه إحياء لشعار الجاهلية بتعظيمه ، ولهذا صح عن عمر أنه كان يضرب فيه ، ويقول : كلوا فإنما هو شهر كانت تعظمه الجاهلية ، فلو أفطر منه أو صام معه غيره زالت الكراهة . وظاهره أنه لا يكره إفراد شهر غيره اتفاقا ; لأنه - عليه السلام - كان يصوم شعبان ورمضان ، والمراد أحيانا ، ولم يداوم كاملا على غير رمضان فدل أنه لا يستحب صوم رجب ، وشعبان في قول الأكثر ، واستحبه في " الإرشاد " ( وإفراد يوم الجمعة ) نص عليه لحديث أبي هريرة : لا تصوموا يوم الجمعة إلا وقبله يوم وبعده يوم متفق عليه ، ولمسلم لا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين الليالي ، ولا يوم الجمعة بصيام من بين الأيام إلا أن يكون في صوم يصومه أحدكم . قال الداودي : لم يبلغ مالكا الحديث ، ويحمل ما روي من صومه ، والترغيب فيه على صومه مع غيره فلا تعارض ( ويوم السبت ) ذكره أصحابنا لحديث عبد الله بن بشر عن أخته الصماء لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم . رواه [ ص: 55 ] أحمد ، حدثنا أبو عاصم ، حدثنا ثور ، عن خالد بن معدان ، عن عبد الله . . . . فذكره ، وإسناده جيد ، والحاكم ، وقال : على شرط البخاري ، ولأنه يوم تعظمه اليهود ففي إفراده تشبه بهم . واختار الشيخ تقي الدين وهو ظاهر كلام الآجري أنه لا يكره ، وهو قول أكثر العلماء ، وحملوا الحديث على الشذوذ ، أو أنه منسوخ ، ( ويوم الشك ) لقول عمار : من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم - ، رواه أبو داود ، والترمذي ، وصححه ، وهو للبخاري تعليقا ، وهو يوم الثلاثين من شعبان إذا لم يكن في السماء علة ، ولم يتراء الناس الهلال ، وقال القاضي ، والأكثر : أو شهد به من ردت شهادته قال : أو كان في السماء علة ، وقلنا : لا يجب صومه ، وقيل : يحرم صومه ، ولا يصح اختاره ابن البنا ، وأبو الخطاب ، والمجد وغيرهم : للنهي ، وحكى الخطابي عن أحمد لا يكره حملا للنهي على صومه من رمضان ، ولا يكره مع عادة أوصلته بما قبل النصف ، وفاقا ، وبعده الخلاف السابق ، ولا عن واجب لجواز النفل المعتاد فيه كغيره ، وعنه : يكره صومه قضاء ، جزم به جماعة ، فيتوجه طرده في كل واجب للشك في براءة الذمة .

( و ) يكره ( يوم النيروز والمهرجان ) هما عيدان للكفار قال : الزمخشري النيروز اليوم الرابع من شهر الربيع ، والمهرجان : اليوم التاسع عشر من الخريف لما فيه من موافقة الكفار من تعظيمهما ، واختار المجد عدمها لأنهم لا يعظمونه بالصوم كالأحد ، وعلى الأول : يكره صوم كل عيد للكفار أو يوم يفردونه بالتعظيم ذكره الشيخان ( إلا أن يوافق عادة ) هو راجع إلى صوم يوم الجمعة ، وما بعده ; [ ص: 56 ] لأن العادة لها أثر في ذلك لقوله - عليه السلام - : لا تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومين إلا رجلا كان يصوم صوما فليصمه متفق عليه .

مسألة : يكره الوصال وهو أن لا يفطر بين اليومين أو الأيام في قول أكثر العلماء إلا من النبي - صلى الله عليه وسلم - فمباح له ، ولا يكره إلى السحر نص عليه ، وتركه أولى .

( ولا يجوز صوم يومي العيدين ) إجماعا للنهي المتفق عليه من حديث عمر وأبي هريرة ( عن فرض ولا تطوع ) لما ذكرنا ; لأنه ظاهر في التحريم ، وعنه : يصح مع التحريم ; لأنه إنما نهى عنه لأنهم أضياف الله ، وقد دعاهم ، فالصوم ترك إجابة الداعي ، ومثله لا يمنع الصحة بخلاف النفل ; لأن الغرض به الثواب ، فنافته المعصية ، ولهذا لم يصح النفل في غصب .

وفي " الواضح " رواية يصح عن نذره المعين ، والأول أصح لما روى مسلم من حديث أبي سعيد : لا يصلح الصيام في يومين ( وإن قصد صيامهما كان عاصيا ) ; لأنه تعمد فعل الحرام . وظاهره أنه لا يعصي حيث فقد القصد ; لأنه لم يتعمد المخالفة فلم يوصف به ، ( ولم يجزئه عن فرض ) ; لأن النهي يقتضي الفساد ، وهو لا يجامع إلا الإجزاء ، وحكم التطوع كذلك ، ( ولا يجوز صيام أيام التشريق ) تطوعا لما روى مسلم عن نبيشة الهذلي مرفوعا : أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله ولأحمد النهي عن صومها من حديث أبي هريرة ، وسعد بإسنادين ضعيفين . ومن صامها أو رخص فيه فلم يبلغه النهي . قال المجد : أو تأوله على إفرادها كيوم الشك ( وفي صومها عن فرض روايتان ) إحداهما : لا يصح اختارها الخرقي ، وابن أبي موسى ، والقاضي ، وجزم بها في " الوجيز " للعموم ، والثانية : يصح قدمها في " المحرر " لقول ابن عمر ، وعائشة لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي . رواه البخاري ، والباقي [ ص: 57 ] في معناه فيلحق به ، وأجاب القاضي بأنه خاص مختلف فيه ، والأول عام متفق عليه فيقدم على المختلف فيه . وعنه : يجوز صومها عن دم المتعة خاصة . ذكرها الترمذي ، وهو ظاهر كلام ابن عقيل و " العمدة " واختاره المجد .

تنبيه : لا يجوز ، ولا يصح نفل الصوم ممن عليه فرضه لما روى أحمد من رواية ابن لهيعة من حديث أبي هريرة : من صام تطوعا وعليه من رمضان شيء لم يصمه لم يتقبل منه حتى يصومه ، ولأنه عبادة جاز تأخيرها تخفيفا فإذا لم يؤده لزمه الأصل ، وكالحج ، وعنه : يجوز للعموم ، وكذا يخرج في التطوع بالصلاة ممن عليه القضاء ، اختار جماعة منهم الشيخان : أنه لا يصح لوجوبها على الفور ، والمذهب أنه يبدأ بفرض الصوم قبل نذر لا يخاف فوته ، وعنه : بالنذر ، ويحمل على أنه كان معينا بوقت يخاف فوته فعلى الأول : لا يكره قضاء رمضان في عشر ذي الحجة ، بل يستحب إذا لم يكن قضاه قبله ، وعلى الجواز : يكره في رواية روي عن علي ، ولا يصح لينال فضيلتهما ، ولا يكره في أخرى روي عن عمر للآية ، وكعشر المحرم .

التالي السابق


الخدمات العلمية