صفحة جزء
وتطلب ليلة القدر في العشر الأخير من رمضان ، وليالي الوتر آكدها وأرجاها ليلة سبع وعشرين ، ويدعو فيها بما روي عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت : يا رسول الله إن وافقتها فبم أدعو ؛ قال : قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني .


( وتطلب ليلة القدر ) لشرفها وعظمها وبركتها ، وسورتها مكية ، نقله الماوردي عن الأكثرين ، وقيل : مدنية ، نقله الثعالبي عن الأكثرين ، وذكر الواقدي أنها أول سورة نزلت بالمدينة . قال المفسرون في قوله : - تعالى - خير من ألف شهر أي : قيامها ، والعمل فيها خير من العمل في ألف شهر خالية منها .

وفي " الصحيحين " من حديث أبي هريرة مرفوعا : من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه زاد أحمد وما تأخر وسميت به ; لأنه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة لقوله - تعالى - فيها يفرق كل أمر حكيم ، وما روي عن عكرمة أنها ليلة النصف من شعبان ضعيف ، وقال ابن عباس : يقضي الله الأقضية ليلة النصف من شعبان ، ويسلمها إلى أربابها ليلة القدر . وقيل : [ ص: 60 ] سميت به لعظم قدرها عند الله ، وقيل : لضيق الأرض عن الملائكة التي تنزل فيها ، وقيل : لأن للطاعات فيها قدرا عظيما ، وهي أفضل الليالي ، ذكرها الخطابي إجماعا ، وذكر ابن عقيل رواية أن ليلة الجمعة أفضل ; لأنها تكرر ، وبأنها تابعة لما هو أفضل ، واختاره جماعة ، وقال الحسن التميمي : ليلة القدر التي أنزل فيها القرآن أفضل من ليلة الجمعة فأما أمثالها من ليالي القدر فليلة الجمعة أفضل ، وظاهره أنها باقية ، وأنها لم ترفع للأخبار في طلبها ، وقيامها خلافا لبعضهم في رفعها ( في العشر الأخير من رمضان ) عند أحمد ، وأكثر العلماء ; لقوله - عليه الصلاة والسلام - : تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان . متفق عليه من حديث عائشة .

وفي " المغني " و " الكافي " : تطلب في جميع رمضان ، وقال ابن مسعود : هي في كل السنة ، ( وليالي الوتر آكدها لقوله - عليه الصلاة السلام - : اطلبوها في العشر الأواخر في ثلاث بقين أو سبع بقين أو تسع بقين .

وروى سالم عن أبيه مرفوعا : أرى رؤياكم قد تواطأت على أنها في العشر الأواخر فالتمسوها في العشر الأواخر في الوتر منها . متفق عليه .

واختار المجد كل العشر سواء .

وللعلماء فيها أقوال كثيرة ، والمذهب أنها لا تختص بل ليالي الوتر أبلغ من ليالي الشفع .

وقال الشيخ تقي الدين : الوتر يكون باعتبار الماضي فتطلب ليلة القدر ليلة إحدى ، وثلاث إلى أخره ، ويكون باعتبار الباقي ، فإذا كان تاما كان ذلك ليالي الإشفاع ، فليلة الثانية تاسعة تبقى ، وليلة أربع وعشرين سابعة تبقى ، وإن كان [ ص: 61 ] ناقصا كان التاريخ بالباقي كالتاريخ بالماضي ، ( وأرجاها ليلة سبع وعشرين ) نص عليه ، وهو قول أبي بن كعب ، وكان يحلف على ذلك ، ولا يستثني وابن عباس ، وزر بن حبيش . قال أبي بن كعب : والله لقد علم ابن مسعود أنها في رمضان ، وأنها ليلة سبع وعشرين ، ولكن كره أن يخبركم فتتكلوا . رواه الترمذي ، وصححه ، وعن معاوية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ليلة القدر ليلة سبع وعشرين . رواه أبو داود ، ويرجحه قول ابن عباس : سورة القدر ثلاثون كلمة السابعة والعشرون منها هي . وقد استنبط بعض المتأخرين بأن الله - تعالى - كرر ليلة القدر في سورتها ثلاث مرات ، وحروفها تسع ، والناشئ من ضرب أحدهما في الآخر سبع وعشرون ، وحكي عن مالك والشافعي وأحمد أنها تنتقل في العشر الأخير ، وظاهر ما نقله حنبل أنها ليلة متعينة فعلى هذا لو قال : أنت طالق ليلة القدر قبل مضي ليلة العشر ، وقع في الليلة الأخيرة ، ومع مضي ليلة منه تقع في السنة الثانية ليلة قوله فيها . وحكم العتق ، واليمين كالطلاق ذكره المجد تخريجا . ومن نذر قيام ليلة القدر ، قام العشر ، ونذره في أثنائه كطلاق ، ذكره القاضي .

فائدة : الحكمة في إخفائها ليجتهدوا في طلبها ، ويجدوا في العبادة طمعا في إدراكها كما أخفى ساعة الإجابة يوم الجمعة ، واسمه الأعظم من أسمائه ، ورضاه في الحسنات إلى غير ذلك .

( ويدعو فيها ) فإن الدعاء مستجاب فيها ، قاله في " المستوعب " وغيره ( بما روي عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت : يا رسول الله إن وافقتها فيم أدعو قال : قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني . رواه أحمد ، وابن [ ص: 62 ] ماجه ، وللترمذي معناه ، وصححه ، ومعنى العفو : الترك ، ويكون بمعنى الستر ، والتغطية فمعنى اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني ، أي : اترك مؤاخذتي بجرمي ، واستر علي ذنبي ، وأذهب عني عذابك ، واصرف عني عقابك . وللنسائي من حديث أبي هريرة مرفوعا : سلوا الله العفو والعافية والمعافاة فما أوتي أحد بعد يقين خيرا من معافاة فالشر الماضي يزول بالعفو ، والحاضر بالعافية ، والمستقبل بالمعافاة لتضمنها دوام العافية

التالي السابق


الخدمات العلمية