صفحة جزء
وأفضلها المسجد الحرام ، ثم مسجد المدينة ، ثم الأقصى فإذا نذره في الأفضل لم يجزئه في غيره ، وإن نذره في غيره فله فعله فيه ، وإن نذر اعتكاف شهر بعينه لزمه الشروع فيه قبل دخول ليلته إلى انقضائه وإن نذر شهرا مطلقا لزمه شهر متتابع ، وإن نذر أياما معدودة فله تفريقها إلا عند القاضي ، وإن نذر أياما أو ليالي متتابعة لزمه ما يتخللها من ليل أو نهار .


( وأفضلها المسجد الحرام ) لما روى أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه . رواه ابن ماجه من رواية أبي الخطاب الدمشقي ، وهو مجهول ، وفي رواية لأحمد : وصلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجدي بمائة صلاة ، ( ثم مسجد المدينة ) لما روى أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام . متفق عليه . وقال عمر بن الخطاب ، وجمع : المدينة أفضل فدل أن مسجدها أفضل ، وقال في رواية ابن أشهب : إن معنى الحديث أن الصلاة في مسجد الرسول أفضل من سائر المساجد بألف صلاة إلا المسجد الحرام فإن الصلاة في مسجد الرسول أفضل من الصلاة فيه بدون الألف .

وجوابه : رواية أحمد السابقة ، ويستثنى منه موضع قبره - عليه الصلاة والسلام - فإنه أفضل بقاع الأرض ، ثم الأقصى لما روى أبو الدرداء مرفوعا قال : صلاة في المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة وفي حديث أبي المهاجر نحوه فإذا نذره في الأفضل كالمسجد الحرام لم يجزئه في غيره ; لأنه أفضلها احتج به الإمام والأصحاب ، وإن نذره في غيره فله فعله فيه أي : إذا نذره في [ ص: 71 ] مسجد الرسول أو الأقصى فله فعله في المسجد الحرام ;لأفضليته ، وإن نذره في مسجد الرسول لم يجزئه غيره إلا المسجد الحرام ، وإذا عين الأقصى أجزأه المسجدان فقط نص عليه لأفضليتهما عليه ، ويستثنى منه ما إذا نذر الاعتكاف في هذه المساجد فدخل فيه ، ثم انهدم معتكفه ، والعياذ بالله - تعالى - ، ولم يمكنه المقام فيه أتمه في غيره لزوما ، ولم يبطل اعتكافه ذكره في " الشرح " .

( وإن نذر اعتكاف شهر بعينه ) تعين عليه و ( لزمه الشروع فيه قبل دخول ليلته ) أي : قبل غروب الشمس ، نص عليه ، إذ الشهر يدخل بدخول الليلة بدليل ترتب الأحكام المعلقة به من حلول الدين ، ووقوع الطلاق ، والعتاق المعلقين به ، وما لا يتم الواجب إلا به واجب ، وعنه : يدخل قبل فجرها الثاني روي عن الليث ، واستدل له بقول عائشة : كان إذا أراد أن يعتكف صلى الفجر ، ثم دخل معتكفه . متفق عليه . ولأن الصوم شرط فيه فلم يجب ابتداؤه قبل شرطه ، وليس بظاهر ; لأنه - عليه السلام - لم يدخل إلا بعد الصبح وهم يوجبون الدخول قبل ذلك ، مع أن اعتكافه كان تطوعا ، والتطوع متى شاء شرع . على أن ابن عبد البر قال : لا أعلم أحدا من الفقهاء قال بهذا الحديث ، وفيه نظر ; لأنه قول الأوزاعي ، وإسحاق ، ورواية عن أحمد فيما إذا أراد أن يعتكف العشر الأخير تطوعا فإنه يدخل بعد صلاة الفجر أول يوم منه ، وحمل على الجواز ، وقال القاضي : يحتمل أنه كان يفعل يوم العشرين ليستظهر ببياض يوم زيادة ، والمنصوص أنه يدخل قبل ليلته الأولى ( إلى انقضائه ) لدخوله في مسمى نذره ، وفيه إشارة أنه لا يلزمه سوى الشهر ، وإن كان ناقصا ; لأن ذلك مقتضى نذره لكن إذا اعتكف رمضان ، أو العشر الأخير ، استحب أن يبيت ليلة [ ص: 72 ] العيد في معتكفه ، ويخرج منه إلى المصلى ، نص عليه ، ليصل طاعة بطاعة .

( وإن نذر شهرا مطلقا ، لزمه شهر متتابع ) نص عليه ، وذكره القاضي وجها واحدا ; لأنه معنى يصح ليلا ونهارا فإذا أطلقه لزمه التتابع ، وكقوله : لا كلمت زيدا شهرا ، وكمدة العدة والإيلاء ، وصرح به في الكفارة تأكيدا ، وعنه : لا ، اختارها الآجري ، وصححها ابن شهاب وغيره لصحة إطلاقه على ذلك ، ولهذا يصح تقييده بالتتابع بخلاف اليمين ويدخل معتكفه قبل الغروب من أول ليلة منه على الأصح ، ولا يخرج إلا بعد غروب الشمس آخر أيامه ، ويكفيه شهر هلالي ناقص بلياليه أو ثلاثين يوما بلياليهن ، وثلاثين ليلة فإن ابتدأه في أثناء النهار تممه إلى مثل تلك الساعة في اليوم الحادي والثلاثين ، وكذلك إن ابتدأه في أثناء الليل تممه إلى ما ذكرنا إن لم يعتبر الصوم ، وإن اعتبر فثلاثين ليلة صحاحا بأيامها الكاملة .

( ومن نذر أياما معدودة ) كقوله : لله علي أن أعتكف عشرين يوما ( فله تفريقها ) ولم يلزمه التتابع إلا أن ينويه ; لأن الأيام المطلقة تؤخذ بدون التتابع فلم يلزمه كنذر صومها ، واحتجاج ابن عباس في قضاء رمضان بالآية يدل عليه ( إلا عند القاضي ) فيلزمه التتابع كلفظ الشهر ، فعلى هذا تلزمه الليالي الداخلة في الأيام المنذورة ، وعلى الأول لا ، إلا أن ينوي التتابع أو لشرطه ، وقيل : يلزمه إلا في ثلاثين يوما للقرينة ; لأن العبادة فيه لفظ الشهر وهو ظاهر ، ( وإن نذر أياما أو ليالي متتابعة ) بشرط أو نيته ( لزمه ما يتخللها من ليل ) إذا نذر الأيام ( أو نهار ) إذا نذر الليالي ، نص عليه ; لأن اليوم اسم لبياض النهار [ ص: 73 ] والليلة اسم لسواد الليل ، والتثنية والجمع تكرار الواحد ، وإنما يدخل ما تخلله للزوم التتابع ضمنا ، وخرج ابن عقيل لا يلزمه ، واختاره أبو حكيم لعدم تناول اللفظ له ، وفي ثالث : لا يلزمه الليل فإن نذر اعتكاف يومين ، لزمه يومان وليلة بينهما .

تنبيه : إذا نذر اعتكاف يوم معينا أو مطلقا دخل معتكفه قبل فجره الثاني ، وخرج بعد غروب شمسه ; لأنه اسم لليوم ، ولا تلزمه الليلة التي قبله ; لأنها ليست من اليوم ، وإذا نذر ليلة لزمته فقط ، فيدخل قبل الغروب ، ويخرج بعد فجرها الثاني . وإن اعتبرنا الصوم ، لم يلزمه شيء ، وإذا نذر اعتكاف يوم لم يجز تفريقه بساعات من أيام ; لأنه يفهم منه التتابع أشبه ما لو قيده به ، وإذا قال في وسط النهار : لله علي أن أعتكف يوما من وقتي ، تعين منه إلى مثله ، وفي دخول الليل الخلاف ، وإذا نذر شهرا متفرقا فله تتابعه قال المجد : لأنه أفضل ، كاعتكافه في المسجد الحرام إذا نذر غيره ، وإذا نذر اعتكاف يوم يقدم زيد فقدم ليلا لم يلزمه شيء ، وإن قدم في بعض النهار لزمه اعتكاف الباقي ، ولم يلزمه قضاء ما مضى منه .

التالي السابق


الخدمات العلمية