صفحة جزء
بخمسة شروط : الإسلام والعقل ، فلا يجب على كافر ولا مجنون ، ولا يصح منهما . والبلوغ والحرية ، فلا يجب على صبي ولا عبد ، ولا يصح منهما ولا يجزئهما إلا أن يبلغ ويعتق في الحج قبل الخروج من عرفة ، وفي العمرة قبل طوافها فيجزئهما ويحرم الصبي المميز بإذن وليه ، وغير المميز يحرم عنه وليه ، ويفعل عنه ما يعجز عنه من عمله ونفقة الحج وكفاراته في مال الولي ، وعنه : في مال الصبي وليس للعبد الإحرام إلا بإذن سيده ، ولا للمرأة الإحرام نفلا إلا بإذن زوجها فإن فعلا ، فلهما تحليلهما ويكونان كالمحصر ، وإن أحرما بإذنه لم يجز تحليلهما وليس للزوج منع امرأته من حج الفرض ، ولا تحليلها إن أحرمت به .


( بخمسة شروط : الإسلام ، والعقل ) هما شرطان للصحة ، والوجوب ( فلا يجب على كافر ) أصلي ; لأنه ممنوع من دخول الحرم ، وهو مناف له ، ( ولا مجنون ) للخبر ، ولعدم صحته ، وقصد الفعل شرط ، ( ولا يصح منهما ) ; لأن كلا من الحج ، والعمرة عبادة من شرطها النية ، وهي لا تصح منهما ، لكن الكافر يعاقب عليه وعلى سائر فروع الإسلام كالتوحيد إجماعا ، وعنه : لا ، وهو الأشهر للحنفية ، وعنه : يعاقب على النواهي فقط ، والمرتد مثله ، وهل يلزمه الحج باستطاعته في ردته إذا أسلم بناء على أنه التزم حكم الإسلام أو لا يلزمه كالأصلي ؛ فيه روايتان ، فلو حج ، ثم ارتد ، ثم أسلم ، وهو مستطيع فهل يلزمه حج ثان ؛ فيه روايتان ، ويبطل إحرامه ، ويخرج منه بردته فيه كالصوم ، ولا تبطل الاستطاعة بالجنون ، ولا فرق بين أن يعقده بنفسه أو يعقده له وليه ، وقيل : يصح في الثانية اختاره أبو بكر .

ويبطل الإحرام بالجنون ; لأنه لم يبق من أهل العبادة ، وقيل : لا ، كالموت فيصير كالمغمى عليه ، والمعروف لا يبطل به كالسكر .

( والبلوغ والحرية ) هما شرطان للوجوب ، والإجزاء ( فلا يجب على صبي ) للخبر ، لأنه غير مكلف ، ( ولا عبد ) ; لأن مدتهما تطول فلم يجبا عليه; لما فيه من إبطال حق السيد كالجهاد ، وفيه نظر ; لأن القصد منه الشهادة ، ( ويصح منهما ) لما روى ابن عباس أن امرأة رفعت إليه صبيا فقالت يا رسول الله ألهذا حج ؛ قال : نعم ، ولك أجر . رواه مسلم . والعبد من أهل العبادة فصحا منه كالحر ، ( ولا يجزئهما ) عن حجة الإسلام بعد زوال المانع ، وعليهما الحج ، والعمرة بعد البلوغ ، والعتق لما روى ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أيما صبي حج ثم بلغ فعليه حجة أخرى وأيما عبد حج ثم عتق فعليه حجة أخرى . رواه الشافعي ، والبيهقي .

[ ص: 86 ] قال بعض الحفاظ : لم يرفعه إلا يزيد بن زريع عن شعبة ، وهو ثقة ، ولأنهما فعلا ذلك قبل الوجوب عليهما ، فلم يجزئهما إذا صارا من أهله كالصبي يصلي ثم يبلغ في الوقت ، وهذا قول عامة العلماء إلا شذوذا ، بل حكاه ابن عبد البر إجماعا .

تنبيه : المكاتب ، والمدبر ، وأم الولد ، والمعتق بعضه كالقن ( إلا أن يبلغ ) الصبي ، ( ويعتق ) العبد ( في الحج قبل الخروج من عرفة ، وفي العمرة قبل طوافها فيجزئهما ) لأنهما أتيا بالنسك حال الكمال فأجزأهما كما لو وجد قبل الإحرام ، واستدل أحمد بأن ابن عباس قال : إذا أعتق العبد بعرفة أجزأت عنه حجته ، وإن أعتق بجمع لم يجزئ عنه ، لكن لو زال المانع بعد الخروج من عرفة ، والوقت باق ، ولو أقل جزء عاد فوقف بها ، أجزأه ، نص عليه ، وكما لو أحرم إذن ، قال المؤلف وغيره : إنما يعتد بإحرام ووقوف موجودين إذن ، وما قبله تطوع لا ينقلب فرضا ، وقال المجد وآخرون : ينعقد إحرامه موقوفا فإذا تغير حاله تتبين فريضته كزكاة معجلة ، وعنه : لا يجزئه ، وقاله ابن المنذر . وظاهر كلامه لا فرق في وجود ذلك قبل السعي أو بعده ، وقلنا بعدم ركنيته أو سعى وقلنا بركنيته ، ثم زال العذر وهو أحد الوجهين لحصول الركن الأعظم ، وهو الوقوف ، وتبعية غيره له ، والثاني : لا يجزئه اختاره ابن عقيل ، والمجد ، وفي " المجرد " : هو قياس المذهب لوقوع الركن وقت الوجوب ، أشبه ما لو كبر للإحرام ثم بلغ .

فعلى هذا لا يجزئه وإن أعاد السعي ، ذكره المجد ; لأنه لا تشرع مجاوزة عدده ، ولا تكراره ، واستدامة الوقوف مشروع ، ولا قدر له محدود ، وما ذكرناه هو جار في طواف العمرة . وظاهره أنه إذا زال المانع في أثناء طوافها لا يجزئه ، ولا أثر لإعادته ، وحيث قيل بالإجزاء فلا دم لنقصهما في ابتداء الإحرام كاستمراره .

[ ص: 87 ] تنبيه : إذا زال المانع قبل الوقوف أو في وقته ، وأمكن الإتيان لزمه الحج على الفور ، ولا يجوز تأخيره مع الإمكان كالبالغ الحر .

( ويحرم الصبي المميز ) بنفسه ( بإذن وليه ) ، فلو أحرم بغير إذنه لم يصح ; لأنه يؤدي إلى لزوم مال ، فلم ينعقد بنفسه كالبيع ، وقيل : يصح ، اختاره المجد كصوم وصلاة .

فعلى هذا يحلله منه إن رآه ضررا في الأصح كعبد . والولي : من يلي ماله . وظاهر رواية حنبل يصح من الأم أيضا اختاره جماعة ، وفي عصبته كالعم وابنه وجهان . وظاهره أن الولي لا يحرم عن المميز لعدم الدليل ( وغير المميز يحرم عنه وليه ) أي : يعقد له الإحرام ، ويقع لازما ، وحكمه كالمكلف ، نص عليه ، لما روى جابر قال : حججنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعنا النساء ، والصبيان فأحرمنا عن الصبيان . رواه سعيد ، ولأنه يصح وضوءه كالبالغ ، بخلاف المجنون فصح عقده له كالنكاح ، ( ويفعل عنه ما يعجز عنه من عمله ) لما روى جابر قال : لبينا عن الصبيان ورمينا عنهم . رواه أحمد ، وابن ماجه ، وروي عن ابن عمر في الرمي ، وعن أبي بكر أنه طاف بابن الزبير في خرقة . رواهما الأثرم . فدل أن ما أمكن الصبي فعله من وقوف ومبيت لزمه ; لأن النيابة إنما تجوز مع العجز وذلك منتف ، ولكن لا يجوز أن يرمي عنه إلا من رمى عن نفسه كالنيابة في الحج ، فإن قلنا بالإجزاء هناك فكذا هنا ، وإلا وقع الرمي عن نفسه إن كان محرما بفرضه ، وإن كان حلالا لم يعتد به ، وإن قلنا يقع الإحرام باطلا هناك فكذا الرمي هنا ، وإن أمكن الصبي أن يناول النائب الحصا ناوله ، وإلا استحب أن توضع الحصاة في كفه ، ثم تؤخذ منه ، ويرمى عنه . فلو جعل كف الصبي كالآلة ، ورمى بها عنه ، [ ص: 88 ] فحسن ، ثم إن عجز عن الطواف ، طيف به محمولا أو راكبا ، وتعتبر النية من الطائف به ، وكونه ممن يصح أن يعقد له الإحرام فإن نواه عن نفسه ، وعن الصبي ، وقع عن الصبي ، كالكبير يطاف به محمولا لعذر ، ولا فرق في حامله أن يكون حلالا أو حراما أسقط فرض نفسه أو لا ، كوجود الطواف من الصبي فهو كمحمول مريض .

تنبيه : يجتنب في حجه ما يجتنبه الكبير من المحظورات ، والوجوب متعلق بالولي ; لأن الصغير لا يخاطب بخطاب تكليفي . وعن عائشة : أنها كانت تجرد الصبيان إذا دنوا من الحرم ، وقال عطاء يفعل به كما يفعل الكبير ، ويشهد المناسك كلها إلا أنه لا يصلى عنه ، فإن وطئ فيه فسد حجه ، ولزمه المضي فيه ، وعليه قضاؤه ، ولا يصح إلا بعد البلوغ ، نص عليه ، كالمجنون إذا احتلم ، وقيل : يصح قبل بلوغه كالبالغ ، وقيل : لا قضاء عليه لاستلزامه وجوب عبادة بدنية على غير المكلف ، وعلى الأول إذا قضى بدأ بحجة الإسلام ، فإن أحرم به قبلها انصرف إليها ، وهل يجزئه عن القضاء بفطر ، فإن كان أدرك في الفاسدة جزءا من الوقوف بعد بلوغه أجزأ عنهما جميعا ، وإلا فلا .

( ونفقة الحج وكفارته في مال الولي ) هذا هو المذهب عند الجمهور ; لأنه السبب فيه ، وكما لو أتلف مال غيره بأمره ، قاله ابن عقيل ( وعنه في مال الصبي ) اختاره جماعة ; لأنه من مصلحته ليألف الحج ، ويتمرن عليه ، وكأجرة الطبيب ، وحامله لشهود الجمعة وغيرها ، ومحل الخلاف يختص بما زاد على نفقة الحضر في قول الأكثر خلافا للقاضي فإنه أوجبها على الصغير مطلقا ، واختار في موضع آخر الأول ، زاد المجد : وماله كثير يحتمل ذلك فأما سفره معه لخدمة أو تجارة أو إلى مكة لغرض صحيح فهي على الصبي رواية واحدة ، وقدم في " الفروع " أن النفقة على الولي [ ص: 89 ] وفي الكفارة روايتان ، والمؤلف سوى بينهما كغيره ، ويختص الخلاف ما فعله الصبي ، ويلزم البالغ كفارته مع خطأ ونسيان ، قال المجد : أو فعله الولي لمصلحته كتغطية رأسه لبرد أو تطبيبه لمرض ، وإن فعله به الولي لا لعذر ، فالفدية عليه ، وما لا يلزم البالغ كفارته مع خطأ ونسيان ، لا يلزم الصبي ; لأن عمده خطأ ، فإذا وجبت على الولي ودخل فيها الصوم [ صام عنه لوجوبها عليه ابتداء ] ، كصومها عن نفسه .

( وليس للعبد الإحرام إلا بإذن سيده ) لما فيه من تفويت حقه الواجب عليه ، ( ولا للمرأة الإحرام نفلا إلا بإذن زوجها ) لتفويت حقه ، وقيده بالنفل منها دون العبد ; لأنه لا يجب عليه حج بحال بخلافها قاله ابن المنجا ، وفيه نظر ، فإنهم صرحوا بأن العبد لو نذره لزمه بغير خلاف نعلمه ; لأنه مكلف ، وصح نذره كالحر ، لكن لسيده منعه إذا لم يكن نذره بإذنه في رواية ، وفي أخرى : لا ; لوجوبه عليه كالصلاة ، وقيل : إن كان على الفور لم يمنعه ( فإن فعلا ) انعقد إحرامها ; لأنه عبادة بدنية فصحت بغير إذن كالصوم . وقال ابن عقيل يتخرج بطلان إحرامه لغصبه نفسه فيكون قد حج في بدن غصب ، فهو آكد من الحج بمال غصب قال في " الفروع " : وهذا متوجه ليس بينهما فرق مؤثر فيكون هو المذهب ، وصرح به جماعة في الاعتكاف ( فلهما تحليلهما ) في ظاهر المذهب ; لأن حقهما لازم فملكا إخراجهما منه كالاعتكاف . وفي " المغني " و " الشرح " في العبد كالصوم المضر ببدنه ، ولا يفوت به حق . والثانية - ونقلها واختارها الأكثر - : أنه ليس لهما تحليلهما ، وعلى الأول : لو حللها فلم تقبل ، أثمت ، وله مباشرتها ، ( ويكونان كالمحصر ) لأنهما في معناه ، ( وإن أحرما بإذنه لم يجز تحليلهما ) ; لأنه قد لزم بالشروع ، وكنكاح ، وإعارة كرهن . وعنه : له تحليل العبد ; لأنه ملكه منافع نفسه ، فملك [ ص: 90 ] الرجوع فيها كالمعير ، وله الرجوع قبل إحرام ، وكذا لو أحرما بنذر أذن فيه لهما أو لم يأذن فيه للمرأة ، وإن علم العبد برجوع سيده عن إذنه ، فكما لو لم يأذن ، وإلا فالخلاف في عزل الوكيل قبل علمه ، وإن باعه فمشتريه كبائعه في تحليله ، وله الفسخ إن لم يعلم إلا أن يملك بائعه تحليله فيحلله .

تنبيه : إذا أفسد العبد حجه بالوطء لزمه المضي فيه كالحر ، وعليه القضاء ، ويصح في رقه للزومه له كالنذر بخلاف حجة الإسلام ، وليس لسيده منعه إن كان شروعه فيما أفسده بإذنه ; لأن إذنه فيه إذن في موجبه ، ومن موجبه قضاء ما أفسده على الفور ، وإن لم يكن بإذنه ففي منعه من القضاء وجهان كالنذر ، وفي لزومه القضاء لفوات أو إحصار الخلاف كالحر ، وإن عتق قبل أن يأتي بما لزمه من ذلك لزمه أن يبدأ بحجة الإسلام فإن خالف فكالحر فإن عتق في الحجة الفاسدة في حال يدرك به حجة الفرض مضى فيها ، وأجزأه عن الفرض ، والقضاء خلافا لابن عقيل ، ويلزمه حكم حياته كحر معسر ، وإن تحلل بحصر أو حلله سيده لم يتحلل قبل الصوم ، وليس لسيده منعه منه ، نص عليه ، وإن مات العبد ، ولم يصم فلسيده أن يطعم عنه . ذكره في " الفصول " وحكم الصبي في القضاء لفوات أو إحصار ، وصحته منه ، وهو في القضاء بعد بلوغه إجزاؤه عنه ، وعن حجة الإسلام كالعبد .

( وليس للزوج منع امرأته من حج الفرض ) إذا كملت الشروط ، ( ولا تحليلها إن أحرمت به ) ; لأنه واجب بأصل الشرع أشبه الصوم والصلاة أول الوقت وظاهره ، ولو أحرمت قبل الميقات ، ونفقتها عليه قدر نفقة الحضر ، ويستحب لها أن تستأذنه ، نص عليه ، فإن كان غائبا ، كتبت إليه ، فإن أذن ، وإلا حجت بمحرم ، وعنه : له تحليلها ، فيتوجه منه منعها . وظاهره أن له منعها من الخروج [ ص: 91 ] إلا حجة الإسلام والإحرام إن لم تكمل الشروط ، وصرح به الأصحاب ، لكن لو أحرمت إذن بلا إذنه ، لم يملك تحليلها في الأصح كالمريض .

مسألة : إذا أحرمت بواجب ، فحلف زوجها بالطلاق الثلاث لا تحجج العام ، فليس لها أن تحل ; لأن الطلاق مباح فليس لها ترك الفريضة لأجله ، ونقل مهنا أنه سئل عن هذه المسألة ، فقال عطاء : الطلاق هلاك هي بمنزلة المحصر .

فصل : لا يجوز لوالد منع ولده من حج واجب ، ولا تحليله إن أحرم به ، وليس للولد طاعته في تركه ، فإن كان تطوعا ، فله منعه كالجهاد فإن أحرم بغير إذنه ، لم يملك تحليله ; لوجوبه بشروعه فيه ، فصار كالواجب ابتداء ، وكذا ليس لولي سفيه منعه من حج الفرض ، ولا تحليله منه ، ويدفع نفقته إلى سفيه ينفق عليه من طريقه ، فإن أحرم بنفل ، وزادت نفقته على نفقته الحضر ولم يكتسبها ، فالأصح له منعه وتحليله بصوم ، وإلا فلا ، فإن منعه وأحرم ، فهو كمن ضاعت نفقته .

فرع : حكم العمرة الواجبة كالحج المفروض في قول الأكثر ، وهل يلحق المنذور به فلا يملك منعها أو لا كالتطوع ؛ فيه روايتان حكاهما أبو الحسين . وقيل : يفرق بين المعين وغيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية