صفحة جزء
[ ص: 116 ] باب الإحرام يستحب لمن أراد الإحرام أن يغتسل ويتنظف ويتطيب ، ويلبس ثوبين أبيضين نظيفين إزارا ورداء ويتجرد عن المخيط ، ويصلي ركعتين ويحرم عقيبهما ، وينوي الإحرام بنسك معين ، ولا ينعقد إلا بالنية ويشترط فيقول : اللهم إني أريد النسك الفلاني فيسره لي وتقبله مني . وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني .


باب الإحرام قال ابن فارس : هو نية الدخول في التحريم كأنه يحرم على نفسه النكاح ، والطيب ، وأشياء من اللباس كما يقال أشتى : إذا دخل في الشتاء ، وأربع : إذا دخل في الربيع .

وشرعا : هو نية النسك لا بنية ليحج أو يعتمر .

( يستحب لمن أراد الإحرام أن يغتسل ) ولو حائضا ونفساء ، ويتيمم لعدم ، ولا يضر حدثه بعد غسله قبل إحرامه ، ( ويتنظف ) بأخذ شعره ، وظفره ، وقطع رائحة ، لقول إبراهيم : كانوا يستحبون ذلك ، ثم يلبسون أحسن ثيابهم . رواه سعيد ، ولأن الإحرام عبادة فسن فيه ذلك كالجمعة ، ولأن مدته تطول ، ( ويتطيب ) لقول عائشة : كنت أطيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لإحرامه قبل أن يحرم . رواه البخاري ، ومراده في بدنه ، وهو الذي ذكره أكثر المشايخ ، وأورده ابن حمدان مذهبا ، والمذهب يكره تطييب ثوبه ، وحرمه الآجري فيه ، وعلى المذهب لا فرق فيه بين أن تبقى عينه كالمسك أو أثره كالبخور فإن استدامه فلا كفارة لخبر يعلى بن أمية .

وأجيب بأنه عام حنين سنة ثمان ، وما سبق في حجة الوداع ، وامرأة كرجل ، فإن نقله من بدنه من مكان إلى آخر أو نقله عنه ، ثم رده أو نزعه ، ثم لبسه فدى بخلاف ما لو سال بعرق أو شمس ، ( ويلبس ثوبين أبيضين نظيفين إزارا ورداء ) ونعلين لما روى أحمد عن ابن عمر مرفوعا : ليحرم أحدكم في إزار ، ورداء ، ونعلين . قال ابن المنذر : ثبت ذلك ، ولا فرق فيه بين [ ص: 117 ] الجديد وغيره ، وفي " تبصرة " الحلواني إخراج كتفه الأيمن من الرداء أولى . وظاهره أنه يجوز إحرامه في ثوب واحد ، وفي " التبصرة " بعضه على عاتقه .

( ويتجرد ) الرجل ( عن المخيط ) وهو كل ما يخاط كالقميص ، والسراويل ; لأنه - عليه السلام - تجرد لإهلاله . رواه الترمذي ، وكان ينبغي تقديمه على اللبس ، لكن الواو لا تقتضي الترتيب ( ويصلي ركعتين ويحرم عقيبهما ) لحديث ابن عباس قال : إني لأعلم الناس بذلك ، خرج حاجا فلما صلى في مسجده بذي الحليفة ركعتين أهل بالحج حين فرغ منهما . رواه أحمد ، وأبو داود ، وما ذكره من استحباب الركعتين قبله هو قول أكثر العلماء ، ولا يركعهما وقت نهي ، ولا من عدم الماء والتراب ، والمذهب أنه يحرم عقيب صلاة فرضا كانت أو نفلا ، نص عليه ، وحكاه ابن بطال عن جمهور العلماء ; لأنه - عليه السلام - أهل في دبر صلاة . رواه النسائي . وعنه : عقبها . وظاهره أنه إذا ركب ، وإذا سار سواء ، واختار الشيخ تقي الدين عقب فرض إن كان وقته ، وإلا فليس للإحرام صلاة تخصه ، وقال في " الفروع " : ويتوجه إن كان بالميقات مسجد استحب صلاة الركعتين فيه ، ويستحب استقبال القبلة ، ثم إحرامه صح عن ابن عمر ، ( وينوي الإحرام بنسك معين ) لفعله - عليه السلام - ، وفعل من معه في حجة الوداع ، ولأن أحكام ذلك يختلف ، فاستحب تعينه ليترتب عليه مقتضاه ، وفي عبارته تسامح ; لأن الإحرام هو نية النسك فكيف ينوي النية ، وحمله ابن المنجا على أن معناه ينوي بنيته نسكا معينا ، ثم قال : والأشبه أنه شرط كما ذهب إليه بعض أصحابنا ; لأنه كنية الوضوء ، ( ولا ينعقد النسك إلا بالنية ) لقوله : إنما الأعمال بالنيات ، ولأنه عمل وعبادة محضة ، فافتقر إليها كالصلاة ، ونية النسك كافية ، نص عليه .

[ ص: 118 ] وفي " الانتصار " رواية مع تلبية أو سوق هدي ، اختاره الشيخ تقي الدين وجه الأول : أنه عبادة بدنية ليس في آخرها نطق واجب ، فكذا أولها كالصوم بخلاف الصلاة ، وأما الهدي : فإيجاب مال كالنذر ، ورفع الصوت بها لا يجب ، فكذا تابعه ، ولو سلم فهو للندب ، وفي " الفروع " : يتوجه احتمال تجب التلبية .

فرع : إذا نطق بغير ما نواه ، فالعبرة بالمنوي ، لا بما سبق لسانه ، حكاه ابن المنذر إجماع من يحفظ عنه .

( و ) يستحب أن ( يشترط ) لقوله - عليه السلام - لضباعة بنت الزبير حين قالت له : إني أريد الحج ، وأجدني وجعة فقال : حجي ، واشترطي ، وقولي اللهم محلي حيث حبستني . متفق عليه . واستحبه الشيخ تقي الدين للخائف ، خاصة جمعا بين الأدلة .

( فيقول ) هذا راجع إلى تعيين النسك ، وعبارة " المحرر " أولى ( اللهم إني أريد النسك الفلاني ، فيسره لي وتقبله مني ) ولم يذكروا مثل هذا في الصلاة ; لقصر مدتها ، وتيسيرها عادة ، ( وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني ) لقول عائشة لعروة : قل اللهم إني أريد الحج فإن تيسر وإلا فعمرة . ويستفيد به أنه متى حبس بمرض أوعذر أو خطأ في طريق وغيره ، حل ، ولا شيء عليه ، نص عليه ، لكن قال : في " المستوعب " وغيره : إلا أن يكون معه هدي فيلزمه نحره ، فلو قال : فلي أن أحل خير ، ولو شرط أن يحل متى شاء أو إن أفسده لم يقضه لم يصح ذكره القاضي وغيره ; لأنه [ ص: 119 ] لا عذر له في ذلك ، وقيل : يصح اشتراطه بقلبه ; لأنه تابع للإحرام ، وينعقد بالنية فكذا هو .

فرع : يبطل إحرامه ، ويخرج منه بردته لا بجنون ، وإغماء ، وسكر كموت ، ولا ينعقد مع وجود أحدها .

التالي السابق


الخدمات العلمية