صفحة جزء
المسألة التاسعة

[ القنوت ]

اختلفوا في القنوت ، فذهب مالك إلى أن القنوت في صلاة الصبح مستحب ، وذهب الشافعي إلى أنه سنة ، وذهب أبو حنيفة إلى أنه لا يجوز القنوت في صلاة الصبح ، وأن القنوت إنما موضعه الوتر ، وقال قوم : بل يقنت في كل صلاة . وقال قوم : لا قنوت إلا في رمضان ، وقال قوم : بل في النصف الأخير منه ، وقال قوم : بل في النصف الأول منه .

والسبب في ذلك : اختلاف الآثار المنقولة في ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقياس بعض الصلوات في ذلك على بعض : ( أعني : التي قنت فيها على التي لم يقنت فيها ) قال أبو عمر بن عبد البر : والقنوت بلعن الكفرة في رمضان مستفيض في الصدر الأول اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دعائه على رعل وذكوان ، والنفر الذين قتلوا أصحاب بئر معونة .

وقال الليث بن سعد : ما قنت منذ أربعين عاما أو خمسة وأربعين عاما إلا وراء إمام يقنت . قال الليث : وأخذت في ذلك بالحديث الذي جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قنت شهرا أو أربعين يدعو لقوم ويدعو على آخرين ، حتى أنزل الله تبارك وتعالى عليه معاتبا : ( ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون ) فترك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القنوت فما قنت بعدها حتى لقي الله ، قال : فمنذ حملت هذا الحديث لم أقنت ، وهو مذهب يحيى بن يحيى .

قال القاضي : ولقد حدثني الأشياخ أنه كان العمل عليه بمسجده عندنا بقرطبة ، وأنه استمر إلى زماننا أو قريب من زماننا .

وخرج مسلم عن أبي هريرة " أن النبي - عليه الصلاة والسلام - قنت في صلاة الصبح ، ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما نزلت : ( ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم ) ، وخرج عن أبي هريرة أنه قنت في الظهر ، والعشاء الأخيرة وصلاة الصبح .

وخرج عنه - عليه الصلاة والسلام - " أنه قنت شهرا في صلاة الصبح يدعو على بني عصية " .

واختلفوا فيما يقنت به ، فاستحب مالك القنوت بـ " اللهم إنا نستعينك ، ونستغفرك ، ونستهديك ، ونؤمن بك ، ونخنع لك ، ونخلع ونترك من يكفرك ، اللهم إياك نعبد ، ولك نصلي ونسجد ، وإليك نسعى ونحفد ، نرجو رحمتك ، ونخاف عذابك إن عذابك بالكافرين ملحق " ويسميها أهل العراق السورتين ، ويروى أنها في مصحف أبي بن كعب .

وقال الشافعي ، وإسحاق : بل يقنت بـ " اللهم اهدنا فيمن هديت وعافنا فيمن عافيت ، وقنا شر ما [ ص: 113 ] قضيت ، إنك تقضي ولا يقضى عليك ، تباركت ربنا وتعاليت " وهذا يرويه الحسن بن علي من طرق ثابتة أن النبي - عليه الصلاة والسلام - : علمه هذا الدعاء يقنت به في الصلاة .

وقال عبد الله بن داود : من لم يقنت بالسورتين فلا يصلى خلفه ، وقال قوم : ليس في القنوت شيء موقوت .

التالي السابق


الخدمات العلمية