صفحة جزء
المسألة السابعة

[ السجود ]

اتفق العلماء على أن السجود يكون على سبعة أعضاء : الوجه ، واليدين ، والركبتين ، وأطراف القدمين ، لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء " ، واختلفوا فيمن سجد على وجهه ونقصه السجود على عضو من تلك الأعضاء هل تبطل صلاته أم لا ؟ فقال قوم : لا تبطل صلاته ; لأن اسم السجود إنما يتناول الوجه فقط ، وقال قوم : تبطل إن لم يسجد على السبعة الأعضاء للحديث الثابت ، ولم يختلفوا أن من سجد على جبهته وأنفه فقد سجد على وجهه ، واختلفوا فيمن سجد على أحدهما ، فقال مالك : إن سجد على جبهته دون أنفه جاز ، وإن سجد على أنفه دون جبهته لم يجز .

وقال أبو حنيفة : بل يجوز ذلك ، وقال الشافعي : لا يجوز إلا أن يسجد عليهما جميعا .

وسبب اختلافهم : هل الواجب هو امتثال بعض ما ينطلق عليه الاسم أم كله ، وذلك أن في حديث النبي - عليه الصلاة والسلام - الثابت عن ابن عباس " أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء " فذكر منها الوجه .

فمن رأى أن الواجب هو بعض ما ينطلق عليه الاسم ، قال : إن سجد على الجبهة أو الأنف أجزأه .

، ومن رأى أن اسم السجود يتناول من سجد على الجبهة ولا يتناول من سجد على الأنف أجاز السجود على الجبهة دون الأنف ، وهذا كأنه تحديد للبعض الذي امتثاله هو الواجب مما ينطلق عليه الاسم ، وكان هذا على مذهب من يفرق بين أبعاض الشيء ، فرأى أن بعضها يقوم في امتثاله مقام الوجوب وبعضها لا يقوم [ ص: 118 ] مقامه فتأمل هذا ، فإنه أصل في هذا الباب ، وإلا جاز لقائل أن يقول : إنه إن مس من أنفه الأرض مثقال خردلة تم سجوده ، وأما من رأى أن الواجب هو امتثال كل ما ينطلق عليه الاسم ، فالواجب عنده أن يسجد على الجبهة والأنف . والشافعي يقول : إن هذا الاحتمال الذي من قبل اللفظ قد أزاله فعله - عليه الصلاة والسلام - وبينه ، فإنه كان يسجد على الأنف والجبهة لما جاء من أنه انصرف من صلاة من الصلوات ، وعلى جبهته ، وأنفه أثر الطين والماء ، فوجب أن يكون فعله مفسرا للحديث المجمل .

قال أبو عمر بن عبد البر : وقد ذكر جماعة من الحفاظ حديث ابن عباس ، فذكروا فيه الأنف ، والجبهة .

قال القاضي أبو الوليد : وذكر بعضهم الجبهة فقط ، وكلا الروايتين في كتاب مسلم ، وذلك حجة لمالك . واختلفوا أيضا هل من شرط السجود أن تكون يد الساجد بارزة وموضوعة على الذي يوضع عليها الوجه أم ليس ذلك من شروطه ؟ فقال مالك : ذلك من شرط السجود أحسبه شرط تمامه . وقالت جماعة : ليس ذلك من شرط السجود . ومن هذا الباب اختلافهم في السجود على طاقات العمامة ، وللناس فيه ثلاثة مذاهب : قول بالمنع ، وقول بالجواز ، وقول بالفرق بين أن يسجد على طاقات يسيرة من العمامة أو كثيرة ، وقول بالفرق بين أن يمس من جبهته الأرض شيء أو لا يمس منها شيء ، وهذا الاختلاف كله موجود في المذهب وعند فقهاء الأمصار ، وفي البخاري وكانوا يسجدون على القلانس والعمائم .

واحتج من لم ير إبراز اليدين في السجود بقول ابن عباس " أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن نسجد على سبعة أعضاء ، ولا نكفت ثوبا ، ولا شعرا " ، وقياسا على الركبتين ، وعلى الصلاة في الخفين يمكن أن يحتج بهذا العموم في السجود على العمامة .

التالي السابق


الخدمات العلمية