صفحة جزء
[ المسألة الثانية ]

[ من دخل على جماعة وكان قد صلى ]

وأما المسألة الثانية فإن الذي دخل المسجد ، وقد صلى لا يخلو من أحد وجهين : إما أن يكون صلى [ ص: 121 ] منفردا ، وإما أن يكون صلى في جماعة .

فإن كان صلى منفردا فقال قوم : يعيد معهم كل الصلوات إلا المغرب فقط ، وممن قال بهذا القول مالك وأصحابه ، وقال أبو حنيفة : يعيد الصلوات كلها إلا المغرب والعصر .

وقال الأوزاعي : إلا المغرب والصبح ، وقال أبو ثور : إلا العصر والفجر ، وقال الشافعي : يعيد الصلوات كلها ، وإنما اتفقوا على إيجاب إعادة الصلاة عليه بالجملة لحديث بشر بن محمد عن أبيه " أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له حين دخل المسجد ولم يصل معه : ما لك لم تصل مع الناس : ألست برجل مسلم ؟ فقال : بلى يا رسول الله ، ولكني صليت في أهلي ، فقال - عليه الصلاة والسلام - : إذا جئت فصل مع الناس وإن كنت قد صليت " فاختلف الناس لاحتمال تخصيص هذا العموم بالقياس أو بالدليل ، فمن حمله على عمومه أوجب عليه إعادة الصلوات كلها وهو مذهب الشافعي .

وأما من استثنى من ذلك صلاة المغرب ، فقط فإنه خصص العموم بقياس الشبه وهو مالك - رحمه الله - وذلك أنه زعم أن صلاة المغرب هي وتر ، فلو أعيدت لأشبهت صلاة الشفع التي ليست بوتر ; لأنها كانت تكون بمجموع ذلك ست ركعات ، فكأنها كانت تنتقل من جنسها إلى جنس صلاة أخرى ، وذلك مبطل لها ، وهذا القياس فيه ضعف لأن السلام قد فصل بين الأوتار ، والتمسك بالعموم أقوى من الاستثناء بهذا النوع من القياس ، وأقوى من هذا ما قاله الكوفيون من أنه إذا أعادها يكون قد أوتر مرتين ، وقد جاء في الأثر " لا وتران في ليلة " وأما أبو حنيفة فإنه قال : إن الصلاة الثانية تكون له نفلا ، فإن أعاد العصر يكون قد تنفل بعد العصر ، وقد جاء النهي عن ذلك ، فخصص العصر بهذا القياس ، والمغرب بأنها وتر ، والوتر لا يعاد ، وهذا قياس جيد إن سلم لهم الشافعي أن الصلاة الأخيرة لهم نفل . وأما من فرق بين العصر والصبح في ذلك فلأنه لم تختلف الآثار في النهي عن الصلاة بعد الصبح ، واختلف في الصلاة بعد العصر كما تقدم ، وهو قول الأوزاعي ، وأما إذا صلى في جماعة فهل يعيد في جماعة أخرى ؟ فأكثر الفقهاء على أنه لا يعيد ، منهم مالك ، وأبو حنيفة ، وقال بعضهم : بل يعيد ، وممن قال بهذا القول : أحمد ، وداود ، وأهل الظاهر .

والسبب في اختلافهم : تعارض مفهوم الآثار في ذلك ، وذلك أنه ورد عنه - عليه الصلاة والسلام - أنه قال : " لا تصلى صلاة في يوم مرتين " وروي عنه " أنه أمر الذين صلوا في جماعة أن يعيدوا مع الجماعة الثانية " وأيضا فإن ظاهر حديث بشر يوجب الإعادة على كل مصل إذا جاء المسجد ، فإن قوته قوة العموم ، والأكثر على أنه إذا ورد العام على سبب خاص لا يقتصر به على سببه ، وصلاة معاذ مع النبي - عليه الصلاة والسلام - ثم كان يؤم قومه في تلك الصلاة فيه دليل على جواز إعادة الصلاة في الجماعة ، فذهب الناس في هذه الآثار مذهب الجمع ومذهب الترجيح .

أما من ذهب مذهب الترجيح فإنه أخذ بعموم قوله - عليه الصلاة والسلام - : " لا تصلى صلاة واحدة في يوم مرتين " ولم يستثن من ذلك إلا صلاة المنفرد فقط لوقوع الاتفاق عليها .

وأما من ذهب مذهب الجمع فقالوا إن معنى قوله - عليه الصلاة والسلام : - " لا تصلى صلاة واحدة في [ ص: 122 ] يوم مرتين " إنما ذلك أن لا يصلي الرجل الصلاة الواحدة بعينها مرتين ، يعتقد في كل واحدة منهما أنها فرض ، بل يعتقد في الثانية أنها زائدة على الفرض ، ولكنه مأمور بها .

وقال قوم : بل معنى هذا الحديث إنما هو للمنفرد : ( أعني : أن لا يصلي الرجل المنفرد صلاة واحدة بعينها مرتين ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية