صفحة جزء
الفصل الرابع

في معرفة ما يجب على المأموم أن يتبع فيه الإمام .

وأجمع العلماء على أنه يجب على المأموم أن يتبع الإمام في جميع أقواله ، وأفعاله إلا في قوله : سمع الله لمن حمده ، وفي جلوسه إذا صلى جالسا لمرض عند من أجاز إمامة الجالس .

[ المسألة الأولى ]

[ هل الإمام فقط هو الذي يقول : سمع الله لمن حمده ؟ ]

وأما اختلافهم في قوله سمع الله لمن حمده ، فإن طائفة ذهبت إلى أن الإمام يقول إذا رفع رأسه من الركوع : سمع الله لمن حمده فقط ، ويقول المأموم : ربنا ولك الحمد فقط ، وممن قال بهذا القول مالك وأبو حنيفة وغيرهما .

وذهبت طائفة أخرى إلى أن الإمام ، والمأموم يقولان جميعا سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ، وإن المأموم يتبع فيهما معا الإمام كسائر التكبير سواء .

وقد روي عن أبي حنيفة أن المنفرد ، والإمام يقولانهما جميعا ، ولا خلاف في المنفرد ( أعني أنه يقولهما جميعا ) . وسبب الاختلاف في ذلك حديثان متعارضان : أحدهما : حديث أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فإذا ركع فاركعوا ، وإذا رفع فارفعوا ، وإذا قال : سمع الله لمن حمده فقولوا : ربنا ولك الحمد " والحديث الثاني حديث ابن عمر " أنه - صلى الله عليه وسلم - كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه حذو منكبيه ، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما أيضا كذلك وقال : سمع الله لمن حمده ، ربنا ولك الحمد " ، فمن رجح مفهوم حديث أنس قال : لا يقول المأموم سمع الله لمن حمده ، ولا الإمام ربنا ولك الحمد ، وهو من باب دليل الخطاب لأنه جعل حكم المسكوت عنه بخلاف حكم المنطوق به . ومن رجح حديث ابن عمر قال : يقول الإمام ربنا ولك الحمد ، ويجب على المأموم أن يتبع الإمام في قوله : سمع الله لمن حمده لعموم قوله " إنما جعل الإمام ليؤتم به " ، ومن جمع بين الحديثين فرق في ذلك بين الإمام ، والمأموم .

والحق في ذلك أن حديث أنس يقتضي بدليل الخطاب أن الإمام لا يقول : ربنا ولك الحمد ، وأن المأموم لا يقول : سمع الله لمن حمده .

وحديث ابن عمر يقتضي نصا أن الإمام يقول ربنا ولك الحمد ، فلا يجب أن يترك النص بدليل الخطاب فإن النص أقوى من دليل الخطاب .

وحديث أنس يقتضي بعمومه أن المأموم يقول : سمع الله لمن حمده بعموم قوله " إنما جعل الإمام ليؤتم به " وبدليل خطابه أن لا يقولها ، فوجب أن يرجح بين العموم ودليل الخطاب ، ولا خلاف أن العموم أقوى من دليل الخطاب ، لكن [ ص: 129 ] العموم يختلف أيضا في القوة والضعف ، ولذلك ليس يبعد أن يكون بعض أدلة الخطاب أقوى من بعض أدلة العموم فالمسألة لعمري اجتهادية : ( أعني : في المأموم . )

التالي السابق


الخدمات العلمية