صفحة جزء
الفصل الثالث .

[ في معرفة الأقوال والأفعال التي يسجد لها ]

وأما الأقوال والأفعال التي يسجد لها : فإن القائلين بسجود السهو لكل نقصان أو زيادة وقعت في الصلاة على طريق السهو اتفقوا على أن السجود يكون عن سنن الصلاة دون الفرائض ودون الرغائب .

فالرغائب لا شيء عندهم فيها - أعني : إذا سها عنها في الصلاة - ما لم يكن أكثر من رغيبة واحدة ، مثل ما يرى مالك أنه لا يجب سجود من نسيان تكبيرة واحدة ، ويجب من أكثر من واحدة .

وأما الفرائض فلا يجزئ عنها الإتيان بها ، وجبرها إذا كان السهو عنها مما لا يوجب إعادة الصلاة بأسرها ، على ما تقدم فيما يوجب الإعادة وما يوجب القضاء - أعني : على من ترك بعض أركان الصلاة .

وأما سجود السهو للزيادة فإنه يقع عند الزيادة في الفرائض والسنن جميعا ، فهذه الجملة لا اختلاف بينهم فيها ، وإنما يختلفون من قبل اختلافهم فيما هو منها فرض أو ليس بفرض ، وفيما هو منها سنة أو ليس بسنة ، وفيما هو منها سنة أو رغيبة .

مثال ذلك : أن عند مالك ليس يسجد لترك القنوت لأنه عنده مستحب ، ويسجد له عند الشافعي لأنه عنده سنة ، وليس يخفى عليك هذا مما تقدم القول فيه من اختلافهم بين ما هو سنة أو فريضة أو رغيبة ، وعند مالك وأصحابه سجود السهو للزيادة اليسيرة في الصلاة ، وإن كانت من غير جنس الصلاة .

وينبغي أن تعلم أن السنة والرغيبة هي عندهم من باب الندب ، وإنما تختلفان عندهم بالأقل والأكثر [ ص: 165 ] - أعني : في تأكيد الأمر بها - ، وذلك راجع إلى قرائن أحوال تلك العبادة ، ولذلك يكثر اختلافهم في هذا الجنس كثيرا ، حتى إن بعضهم يرى أن في بعض السنن ما إذا تركت عمدا إن كانت فعلا ، أو فعلت عمدا إن كانت تركا أن حكمها حكم الواجب - أعني : في تعلق الإثم بها - ، وهذا موجود كثيرا لأصحاب مالك .

وكذلك تجدهم قد اتفقوا ما خلا أهل الظاهر على أن تارك السنن المتكررة بالجملة آثم ، مثل ما لو ترك إنسان الوتر أو ركعتي الفجر دائما لكان مفسقا آثما ، فكأن العبادات بحسب هذا النظر مثلها ما هي فرض بعينها وجنسها مثل الصلوات الخمس ، ومنها ما هي سنة بعينها فرض بجنسها مثل الوتر وركعتي الفجر وما أشبه ذلك من السنن . وكذلك قد تكون عند بعضهم الرغائب رغائب بعينها سننا بجنسها ، مثل ما حكيناه عن مالك من إيجاب السجود لأكثر من تكبيرة واحدة - أعني : للسهو عنها - ، ولا تكون فيما أحسب عند هؤلاء سنة بعينها وجنسها . وأما أهل الظاهر فالسنن عندهم هي سنن بعينها ، لقوله - عليه الصلاة والسلام - للأعرابي الذي سأله عن فروض الإسلام : " أفلح إن صدق ، دخل الجنة إن صدق " . وذلك بعد أن قال له : والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه - يعني الفرائض - . وقد تقدم هذا الحديث .

واتفقوا من هذا الباب على سجود السهو لترك الجلسة الوسطى ، واختلفوا فيها هل هي فرض أو سنة ، وكذلك اختلفوا هل يرجع الإمام إذا سبح به إليها أو ليس يرجع ؟ وإن رجع فمتى يرجع ؟ قال الجمهور : يرجع ما لم يستو قائما . وقال قوم : يرجع ما لم يعقد الركعة الثالثة . وقال قوم : لا يرجع إن فارق الأرض قيد شبر .

وإذا رجع عند الذين لا يرون رجوعه ، فالجمهور على أن صلاته جائزة . وقال قوم : تبطل صلاته .

التالي السابق


الخدمات العلمية