صفحة جزء
[ ص: 198 ] المسألة الرابعة

[ موقف الإمام من الجنازة ]

واختلفوا أين يقوم الإمام من الجنازة : فقال جملة من العلماء : يقوم في وسطها ذكرا كان أو أنثى . وقال قوم آخرون : يقوم من الأنثى وسطها ومن الذكر عند رأسه . ومنهم من قال : يقوم من الذكر والأنثى عند صدرهما ، وهو قول ابن القاسم وقول أبي حنيفة ، وليس عند مالك والشافعي في ذلك حد . وقال قوم : يقوم منهما أين شاء .

والسبب في اختلافهم : اختلاف الآثار في هذا الباب :

وذلك أنه خرج البخاري ومسلم من حديث سمرة بن جندب قال : " صليت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أم كعب ماتت وهي نفساء ، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للصلاة على وسطها " .

وخرج أبو داود من حديث همام بن غالب قال : " صليت مع أنس بن مالك على جنازة رجل فقام حيال رأسه ، ثم جاءوا بجنازة امرأة فقالوا يا أبا حمزة صل عليها ، فقام حيال وسط السرير ، فقال العلاء بن زياد : هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي على الجنائز كبر أربعا ، وقام على جنازة المرأة مقامك منها ومن الرجل مقامك منه ، قال : نعم " .

فاختلف الناس في المفهوم من هذه الأفعال :

فمنهم من رأى أن قيامه - عليه الصلاة والسلام - في هذه المواضع المختلفة يدل على الإباحة وعلى عدم التحديد .

ومنهم من رأى أن قيامه على أحد هذه الأوضاع أنه شرع وأنه يدل على التحديد ، وهؤلاء انقسموا قسمين : فمنهم من أخذ بحديث سمرة بن جندب للاتفاق على صحته فقال : المرأة في ذلك والرجل سواء ، لأن الأصل أن حكمهما واحد إلا أن يثبت في ذلك فارق شرعي; ومنهم من صحح حديث ابن غالب وقال : فيه زيادة على حديث سمرة بن جندب ، فيجب المصير إليها ، وليس بينهما تعارض أصلا .

وأما مذهب ابن القاسم وأبي حنيفة فلا أعلم له من جهة السمع في ذلك مسندا إلا ما روي عن ابن مسعود من ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية