صفحة جزء
[ ص: 31 ] المسألة الخامسة

[ حكم ما يفضل من الماء بعد تطهر الرجل والمرأة منه ]

اختلف العلماء في أسآر الطهر على خمسة أقوال : فذهب قوم إلى أن أسآر الطهر طاهرة بإطلاق ، وهو مذهب مالك والشافعي وأبي حنيفة . وذهب آخرون إلى أنه لا يجوز للرجل أن يتطهر بسؤر المرأة ، ويجوز للمرأة أن تتطهر بسؤر الرجل ، وذهب آخرون إلى أنه يجوز للرجل أن يتطهر بسؤر المرأة ما لم تكن المرأة جنبا أو حائضا ، وذهب آخرون إلى أنه لا يجوز لواحد منهما أن يتطهر بفضل صاحبه إلا أن يشرعا معا . وقال قوم : لا يجوز وإن شرعا معا ، وهو مذهب أحمد بن حنبل .

وسبب اختلافهم في هذا اختلاف الآثار ، وذلك أن في ذلك أربعة آثار : أحدها : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يغتسل من الجنابة هو وأزواجه من إناء واحد ، والثاني : حديث ميمونة " أنه اغتسل من فضلها " ، والثالث : حديث الحكم الغفاري " أن النبي - عليه الصلاة والسلام - نهى أن يتوضأ الرجل بفضل المرأة " خرجه أبو داود والترمذي .

والرابع : حديث عبد الله بن سرجس قال " نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يغتسل الرجل بفضل المرأة والمرأة بفضل الرجل ، ولكن يشرعان معا " . فذهب العلماء في تأويل هذه الأحاديث مذهبين : مذهب الترجيح ، ومذهب الجمع في بعض ، والترجيح في بعض ، أما من رجح حديث اغتسال النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أزواجه من إناء واحد على سائر الأحاديث ; لأنه مما اتفق الصحاح على تخريجه ، ولم يكن عنده فرق بين أن يغتسلا معا أو يغتسل كل منهما بفضل صاحبه ; لأن المغتسلين معا كل واحد منهما مغتسل بفضل صاحبه ، وصحح حديث ميمونة مع هذا الحديث ورجحه على حديث الغفاري - فقال بطهر الأسآر على الإطلاق .

وأما من رجح حديث الغفاري على حديث ميمونة - وهو مذهب أبي محمد بن حزم - وجمع بين حديث الغفاري وحديث اغتسال النبي - عليه الصلاة والسلام - مع أزواجه من إناء واحد ; بأن فرق بين الاغتسال معا وبين أن يغتسل أحدهما بفضل الآخر وعمل على هذين الحديثين فقط - أجاز للرجل أن يتطهر مع المرأة من إناء واحد ، ولم يجز أن يتطهر هو من فضل طهرها ، وأجاز أن تتطهر هي من فضل طهره .

وأما من ذهب مذهب الجمع بين الأحاديث كلها ما خلا حديث ميمونة ، فإنه أخذ بحديث عبد الله بن سرجس ; لأنه يمكن أن يجتمع عليه حديث الغفاري ، وحديث غسل النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أزواجه من إناء واحد ويكون فيه زيادة ، وهي : أن لا تتوضأ المرأة أيضا بفضل الرجل ، لكن يعارضه حديث ميمونة ، وهو حديث خرجه مسلم ، لكن قد علله كما قلنا بعض الناس من أن بعض رواته قال فيه : أكثر ظني أو أكثر علمي أن أبا الشعثاء حدثني .

[ ص: 32 ] وأما من لم يجز لواحد منهما أن يتطهر بفضل صاحبه ولا يشرعان معا ، فلعله لم يبلغه من الأحاديث إلا حديث الحكم الغفاري وقاس الرجل على المرأة .

وأما من نهى عن سؤر المرأة الجنب ، والحائض فقط ، فلست أعلم له حجة إلا أنه مروي عن بعض السلف أحسبه عن ابن عمر .

التالي السابق


الخدمات العلمية