صفحة جزء
وأما شروطه فثلاث : النية ، والصيام ، وترك مباشرة النساء .

أما النية : فلا أعلم فيها اختلافا .

وأما الصيام : فإنهم اختلفوا فيه; فذهب مالك وأبو حنيفة وجماعة إلى أنه لا اعتكاف إلا بالصوم .

وقال الشافعي : الاعتكاف جائز بغير صوم ، وبقول مالك قال من الصحابة ابن عمر وابن عباس على خلاف عنه في ذلك ، وبقول الشافعي قال علي وابن مسعود .

والسبب في اختلافهم : أن اعتكاف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما وقع في رمضان فمن رأى أن الصوم المقترن باعتكافه هو شرط في الاعتكاف وإن لم يكن الصوم للاعتكاف نفسه قالا : لا بد من الصوم مع الاعتكاف ، ومن رأى أنه إنما اتفق ذلك اتفاقا لا على أن ذلك كان مقصودا له - عليه الصلاة والسلام - في الاعتكاف قال : ليس الصوم من شرطه .

ولذلك أيضا سبب آخر : وهو اقترانه في آية واحدة .

وقد احتج الشافعي بحديث عمر - المتقدم - ، وهو أنه أمره - عليه الصلاة والسلام - أن يعتكف ليلة والليل ليس بمحل للصيام .

واحتجت المالكية بما روى عبد الرحمن بن إسحاق عن عروة عن عائشة أنها قالت : " السنة للمعتكف أن لا يعود مريضا ولا يشهد جنازة ولا يمس امرأة ولا يباشرها ولا يخرج إلا إلى ما لا بد له منه ، ولا اعتكاف إلا بصوم ، ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع " .

قال أبو عمر بن عبد البر : لم يقل أحد في حديث عائشة : هذه السنة إلا عبد الرحمن بن إسحاق ، ولا يصح هذا الكلام عندهم إلا من قول الزهري ، وإن كان الأمر هكذا بطل أن يجري مجرى المسند .

وأما الشرط الثالث وهي المباشرة : فإنهم أجمعوا على أن المعتكف إذا جامع عامدا بطل اعتكافه ، إلا ما روي عن ابن لبابة في غير المسجد ، واختلفوا فيه إذا جامع ناسيا .

واختلفوا في فساد الاعتكاف بما دون الجماع من القبلة واللمس ، فرأى مالك أن جميع ذلك يفسد الاعتكاف . وقال أبو حنيفة : ليس في المباشرة فساد إلا أن ينزل ، وللشافعي قولان : أحدهما مثل قول مالك ، والثاني مثل قول أبي حنيفة .

وسبب اختلافهم : هل الاسم المتردد بين الحقيقة والمجاز له عموم أم لا ؟ وهو أحد أنواع الاسم المشترك ، فمن ذهب إلى أن له عموما قال : إن المباشرة في قوله - تعالى - : ( ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد ) ينطلق على الجماع وعلى ما دونه . ومن لم ير عموما وهو الأشهر الأكثر قال : يدل إما على [ ص: 264 ] الجماع ، وإما على ما دون الجماع ، فإذا قلنا إنه يدل على الجماع بإجماع بطل أن يدل على غير الجماع ، لأن الاسم الواحد لا يدل على الحقيقة والمجاز معا . ومن أجرى الإنزال بمنزلة الوقاع فلأنه في معناه . ومن خالف فلأنه لا ينطلق عليه الاسم حقيقة .

واختلفوا فيما يجب على المجامع : فقال الجمهور : لا شيء عليه ، وقال قوم : عليه كفارة ، فبعضهم قال : كفارة المجامع في رمضان ، وبه قال الحسن ، وقال قوم : يتصدق بدينارين ، وبه قال مجاهد . وقال قوم : يعتق رقبة ، فإن لم يجد أهدى بدنة ، فإن لم يجد تصدق بعشرين صاعا من تمر .

وأصل الخلاف : هل يجوز القياس في الكفارة أم لا ؟ والأظهر أنه لا يجوز .

واختلفوا في مطلق النذر بالاعتكاف هل من شرطه التتابع أم لا ؟ فقال مالك وأبو حنيفة : ذلك من شرطه . وقال الشافعي : ليس من شرطه ذلك .

والسبب في اختلافهم : قياسه على نذر الصوم المطلق .

التالي السابق


الخدمات العلمية