صفحة جزء
[ القول في الإفراد ]

وأما الإفراد فهو ما تعرى من هذه الصفات ، وهو أن لا يكون متمتعا ولا قارنا بل أن يهل بالحج فقط .

وقد اختلف العلماء أي أفضل هل الإفراد أو القران أو التمتع ؟ .

والسبب في اختلافهم : اختلافهم فيما فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ذلك ، وذلك أنه روي عنه - عليه الصلاة والسلام - أنه كان مفردا ، وروي أنه تمتع ، وروي عنه أنه كان قارنا ، فاختار مالك الإفراد ، واعتمد في ذلك على ما روي عن عائشة أنها قالت : " خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام حجة الوداع ، فمنا من أهل بعمرة ، ومنا من أهل بحج وعمرة ، وأهل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحج " . ورواه عن عائشة من طرق كثيرة . قال أبو عمر بن عبد البر : وروي الإفراد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عن جابر بن عبد الله من طرق شتى متواترة صحاح ، وهو قول أبي بكر وعمر وعثمان وعائشة وجابر .

والذين رأوا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان متمتعا احتجوا بما رواه الليث عن عقيل عن ابن شهاب الزهري عن سالم عن ابن عمر قال : " تمتع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عام حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وأهدى وساق الهدي معه من ذي الحليفة " . وهو مذهب عبد الله بن عمر وابن عباس وابن الزبير . واختلف عن عائشة في التمتع والإفراد . واعتمد من رأى أنه - عليه الصلاة والسلام - كان قارنا أحاديث كثيرة ، منها : حديث ابن عباس عن عمر بن الخطاب قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول وهو بوادي العقيق : " أتاني الليلة آت من ربي فقال : أهل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة " خرجه البخاري .

وحديث مروان بن الحكم قال : " شهدت عثمان وعليا وعثمان ينهى عن المتعة وأن يجمع بينهما ، فلما رأى ذلك علي أهل بهما : لبيك بعمرة وحجة ، وقال : ما كنت لأدع سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقول أحد " خرجه البخاري .

[ ص: 279 ] وحديث أنس خرجه البخاري أيضا قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " لبيك عمرة وحجة " .

وحديث مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت : " خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام حجة الوداع فأهللنا بعمرة ، ثم قال رسول الله : من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة ، ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا " . واحتجوا فقالوا : ومعلوم أنه كان معه - صلى الله عليه وسلم - هدي ، ويبعد أن يأمر بالقران من معه هدي ، ويكون معه هدي ولا يكون قارنا .

وحديث مالك أيضا عن نافع عن عمر عن حفصة عن النبي - عليه الصلاة والسلام - أنه قال : " إني قلدت هديي ولبدت رأسي فلا أحل حتى أنحر هديي " .

وقال أحمد : لا أشك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان قارنا ، والتمتع أحب إلي ، واحتج في اختياره التمتع بقوله - عليه الصلاة والسلام - : " لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولجعلتها عمرة " .

واحتج من طريق المعنى من رأى أن الإفراد الأفضل أن التمتع والقران رخصة ولذلك وجب فيهما الدم .

وإذ قلنا في وجوب هذا النسك ، وعلى من يجب ، وما شروط وجوبه ، ومتى يجب ، وفي أي وقت يجب ، ومن أي مكان يجب ، وقلنا بعد ذلك فيما يجتنبه المحرم بما هو محرم ، ثم قلنا أيضا في أنواع هذا النسك يجب أن نقول في أول أفعال الحاج أو المعتمر ، وهو الإحرام .

التالي السابق


الخدمات العلمية