صفحة جزء
الفصل الثالث في حكم الأنفال .

- وأما تنفيل الإمام من الغنيمة لمن شاء ( أعني : أن يزيده على نصيبه ) فإن العلماء اتفقوا على جواز ذلك ، واختلفوا من أي شيء يكون النفل ، وفي مقداره ؟ وهل يجوز الوعد به قبل الحرب ؟ وهل يجب السلب للقاتل أم ليس يجب إلا أن ينفله له الإمام ؟ فهذه أربع مسائل هي قواعد هذا الفصل .

[ المسألة الأولى ]

[ من أي شيء يكون النفل ؟ ]

أما المسألة الأولى : فإن قوما قالوا : النفل يكون من الخمس الواجب لبيت مال المسلمين ، وبه قال مالك . وقال قوم : بل النفل إنما يكون من خمس الخمس ، وهو حظ الإمام فقط ، وهو الذي اختاره الشافعي . وقال قوم : بل النفل من جملة الغنيمة ، وبه قال أحمد وأبو عبيدة ، ومن هؤلاء من أجاز تنفيل جميع الغنيمة .

والسبب في اختلافهم هو : هل بين الآيتين الواردتين في المغانم تعارض أم هما على التخيير ؟ أعني : قوله تعالى : ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه ) الآية ، وقوله تعالى : ( يسألونك عن الأنفال ) الآية .

فمن رأى أن قوله تعالى : ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه ) ناسخا لقوله تعالى : ( يسألونك عن الأنفال ) قال : لا نفل إلا من الخمس ، أو من خمس الخمس .

ومن رأى أن الآيتين لا معارضة بينهما وأنهما على التخيير ( أعني : أن للإمام أن ينفل من رأس الغنيمة من شاء ، وله ألا ينفل ، بأن يعطي جميع أرباع الغنيمة للغانمين ) قال بجواز النفل من رأس الغنيمة .

ولاختلافهم أيضا سبب آخر : وهو اختلاف الآثار في هذا الباب ، وفي ذلك أثران :

أحدهما : ما روى مالك عن ابن عمر : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث سرية فيها عبد الله بن عمر قبل نجد فغنموا إبلا كثيرة ، فكان سهمانهم اثني عشر بعيرا ، ونفلوا بعيرا بعيرا " . وهذا يدل على أن النفل كان بعد القسمة من الخمس .

والثاني : حديث حبيب بن مسلمة : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينفل الربع من السرايا بعد الخمس في البداءة ، وينفلهم الثلث بعد الخمس في الرجعة " . ( يعني : في بداءة غزوه عليه الصلاة والسلام وفي انصرافه .

التالي السابق


الخدمات العلمية