صفحة جزء
[ المسألة الخامسة ]

[ أصناف الجزية ]

وأما المسألة الخامسة : وهي كم أصناف الجزية ؟ فإن الجزية عندهم ثلاثة أصناف :

1 - جزية عنوية : وهي هذه التي تكلمنا فيها ( أعني : التي تفرض على الحربيين بعد غلبتهم ) .

2 - وجزية صلحية : وهي التي يتبرعون بها ليكف عنهم ، وهذه ليس فيها توقيت ، لا في الواجب ، ولا فيمن يجب عليه ولا متى يجب عليه ، وإنما ذلك كله راجع إلى الاتفاق الواقع في ذلك بين المسلمين وأهل الصلح ، إلا أن يقول قائل : إنه إن كان قبول الجزية الصلحية واجبا على المسلمين فقد يجب أن يكون هاهنا قدر ما إذا أعطاه من أنفسهم الكفار وجب على المسلمين قبول ذلك منهم ، فيكون أقلها محدودا ، وأكثرها غير محدود .

3 - وأما الجزية الثالثة : فهي العشرية : وذلك أن جمهور العلماء على أنه ليس على أهل الذمة عشر ، ولا زكاة أصلا في أموالهم ، إلا ما روي عن طائفة منهم أنهم ضاعفوا الصدقة على نصارى بني تغلب ( أعني : أنهم أوجبوا إعطاء ضعف ما على المسلمين من الصدقة في شيء شيء من الأشياء التي تلزم فيها المسلمين الصدقة ) ، وممن قال بهذا القول : الشافعي ، وأبو حنيفة ، وأحمد ، والثوري ، وهو فعل عمر بن الخطاب رضي الله عنه بهم ، وليس يحفظ عن مالك في ذلك نص فيما حكوا ، وقد تقدم ذلك في كتاب الزكاة .

[ ص: 333 ] واختلفوا هل يجب العشر عليهم في الأموال التي يتجرون بها إلى بلاد المسلمين بنفس التجارة ; أو الإذن إن كانوا حربيين ; أم لا تجب إلا بالشرط ؟ فرأى مالك وكثير من العلماء أن تجار أهل الذمة الذين لزمتهم بالإقرار في بلدهم الجزية يجب أن يؤخذ منهم مما يجلبونه من بلد إلى بلد العشر ، إلا ما يسوقون إلى المدينة خاصة فيؤخذ منه فيه نصف العشر ، ووافقه أبو حنيفة في وجوبه بالإذن في التجارة أو بالتجارة نفسها وخالفه في القدر ، فقال : الواجب عليهم نصف العشر .

ومالك لم يشترط عليهم في العشر الواجب عنده نصابا ولا حولا . وأما أبو حنيفة فاشترط في وجوب نصف العشر عليهم الحول والنصاب ، وهو نصاب المسلمين نفسه المذكور في كتاب الزكاة . وقال الشافعي : ليس يجب عليهم عشر أصلا ، ولا نصف عشر في نفس التجارة ولا في ذلك شيء محدود إلا ما اصطلح عليه أو اشترط ، فعلى هذا تكون الجزية العشرية من نوع الجزية الصلحية ، وعلى مذهب مالك ، وأبي حنيفة تكون جنسا ثالثا من الجزية غير الصلحية والتي على الرقاب .

وسبب اختلافهم : أنه لم يأت في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة يرجع إليها ; وإنما ثبت أن عمر بن الخطاب فعل ذلك بهم .

فمن رأى أن فعل عمر هذا إنما فعله بأمر كان عنده في ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم أوجب أن يكون ذلك سنتهم . ومن رأى أن فعله هذا كان على وجه الشرط ; إذ لو كان على غير ذلك لذكره ، قال : ليس ذلك بسنة لازمة لهم إلا بالشرط .

وحكى أبو عبيد في كتاب الأموال عن رجل من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام لا أذكر اسمه الآن أنه قيل له : لم كنتم تأخذون العشر من مشركي العرب ؟ فقال : لأنهم كانوا يأخذون منا العشر إذا دخلنا إليهم . قال الشافعي : وأقل ما يجب أن يشارطوا عليه هو ما فرضه عمر رضي الله عنه ، وإن شورطوا على أكثر فحسن . قال : وحكم الحربي إذا دخل بأمان حكم الذمي .

التالي السابق


الخدمات العلمية