صفحة جزء
الباب الثالث فيما تكون به الذكاة .

- أجمع العلماء على أن كل ما أنهر الدم وفرى الأوداج من حديد أو صخر أو عود أو قضيب أن التذكية به جائزة .

واختلفوا في ثلاثة : في السن ، والظفر ، والعظم ، فمن الناس من أجاز التذكية بالعظم ، ومنعها بالسن والظفر ، والذين منعوها بالسن والظفر منهم من فرق بين أن يكونا منزوعين أو لا يكونا منزوعين : فأجاز التذكية بهما إذا كانا منزوعين ، ولم يجزها إذا كانا متصلين ; ومنهم من قال : إن الذكاة بالسن والعظم مكروهة غير ممنوعة .

ولا خلاف في المذهب أن الذكاة بالعظم جائزة إذا أنهر الدم ، واختلف في السن والظفر فيه على الأقاويل الثلاثة ( أعني : بالمنع مطلقا ، والفرق فيهما بين الانفصال والاتصال ، وبالكراهية لا بالمنع ) .

وسبب اختلافهم : اختلافهم في مفهوم النهي الوارد في قوله عليه الصلاة والسلام في حديث رافع بن خديج ، وفيه : قال : " يا رسول الله إنا لاقو العدو غدا وليس معنا مدى ، فنذبح بالقصب ؟ فقال عليه الصلاة والسلام : ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل ، ليس السن والظفر ، وسأحدثكم عنه : أما السن فعظم ، وأما الظفر فمدى الحبشة " .

فمن الناس من فهم منه أن ذلك لمكان أن هذه الأشياء ليس في طبعها أن تنهر الدم غالبا ; ومنهم من فهم من ذلك أنه شرع غير معلل .

والذين فهموا منه أنه شرع غير معلل : منهم من اعتقد أن النهي في ذلك يدل على فساد المنهي عنه ، ومنهم من اعتقد أنه لا يدل على فساد المنهي عنه ، ومنهم من اعتقد أن النهي في ذلك على وجه الكراهة لا على وجه الحظر .

فمن فهم أن المعنى في ذلك أنه لا ينهر الدم غالبا قال : إذا وجد منهما ما ينهر الدم جاز ، ولذلك رأى بعضهم أن يكونا منفصلين إذ كان إنهار الدم منهما إذا كانا بهذه الصفة أمكن ، وهو مذهب أبي حنيفة .

ومن رأى أن النهي عنهما هو مشروع غير معلل وأنه يدل على فساد المنهي عنه قال : إن ذبح بهما لم تقع التذكية ; وإن أنهر الدم .

ومن رأى أنه لا يدل على فساد المنهي عنه قال : إن فعل وأنهر الدم أثم وحلت الذبيحة .

ومن رأى أن النهي على وجه الكراهية كره ذلك ولم يحرمه .

ولا معنى لقول من فرق بين العظم والسن ، فإنه عليه الصلاة والسلام قد علل المنع في السن بأنه عظم .

ولا يختلف المذهب أنه يكره غير الحديد من المحدودات مع وجود الحديد لقوله عليه الصلاة والسلام : " إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته ، وليرح ذبيحته " خرجه مسلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية