صفحة جزء
الباب الثاني

في معرفة نواقض هذه الطهارة .

والأصل في هذا الباب قوله تعالى : ( وإن كنتم جنبا فاطهروا ) وقوله : ( ويسألونك عن المحيض قل هو أذى ) الآية .

واتفق العلماء على وجوب هذه الطهارة من حدثين :

[ 1 - خروج المني ]

أحدهما : خروج المني على وجه الصحة في النوم أو اليقظة من ذكر كان أو أنثى ، إلا ما روي عن النخعي من أنه كان لا يرى على المرأة غسلا من الاحتلام ، وإنما اتفق الجمهور على مساواة المرأة في الاحتلام للرجل لحديث أم سلمة الثابت أنها قالت : " يا رسول الله المرأة ترى في المنام مثل ما يرى الرجل هل عليها غسل ؟ قال : نعم إذا رأت الماء " .

[ 2 - الحيض ]

وأما الحديث الثاني الذي اتفقوا عليه ، فهو دم الحيض ، ( أعني : إذا انقطع ) وذلك أيضا لقوله تعالى : ( ويسألونك عن المحيض ) الآية ، ولتعليمه الغسل من الحيض لعائشة ، وغيرها من النساء .

واختلفوا في هذا الباب مما يجري مجرى الأصول في مسألتين مشهورتين .

المسألة الأولى

[ 3 - الوطء ]

اختلف الصحابة - رضي الله عنهم - في سبب إيجاب الطهر من الوطء ، فمنهم من رأى الطهر واجبا في التقاء الختانين أنزل أم لم ينزل ، وعليه أكثر فقهاء الأمصار مالك وأصحابه ، والشافعي وأصحابه ، وجماعة من أهل الظاهر ، وذهب قوم من أهل الظاهر إلى إيجاب الطهر مع الإنزال فقط والسبب في اختلافهم في ذلك تعارض الأحاديث في ذلك ; لأنه ورد في ذلك حديثان ثابتان اتفق أهل الصحيح على تخريجهما .

( قال القاضي - رضي الله عنه - : ومتى قلت : ثابت ، فإنما أعني به ما أخرجه البخاري أو مسلم ، أو ما اجتمعا عليه ) .

أحدهما : حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - عليه الصلاة والسلام - أنه قال : " إذا قعد بين شعبها الأربع وألزق [ ص: 44 ] الختان بالختان فقد وجب الغسل " والحديث الثاني : حديث عثمان أنه سئل فقيل له : " أرأيت الرجل إذا جامع أهله ولم يمن ؟ قال عثمان : يتوضأ كما يتوضأ للصلاة سمعته من رسول الله ، صلى الله عليه وسلم " فذهب العلماء في هذين الحديثين مذهبين : أحدهما : مذهب النسخ ، والثاني مذهب الرجوع إلى ما عليه الاتفاق عند التعارض الذي لا يمكن الجمع فيه ولا الترجيح .

فالجمهور رأوا أن حديث أبي هريرة ناسخ لحديث عثمان ، ومن الحجة لهم على ذلك ما روي عن أبي بن كعب أنه قال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنما جعل ذلك رخصة في أول الإسلام ، ثم أمر بالغسل ، خرجه أبو داود .

وأما من رأى أن التعارض بين هذين الحديثين هو مما لا يمكن الجمع فيه بينهما ولا الترجيح فوجب الرجوع عنده إلى ما عليه الاتفاق ، وهو وجوب الماء من الماء ، وقد رجح الجمهور حديث أبي هريرة من جهة القياس ، قالوا : وذلك أنه لما وقع الإجماع على أن مجاوزة الختانين توجب الحد وجب أن يكون هو الموجب للغسل ، وحكموا أن هذا القياس مأخوذ عن الخلفاء الأربعة ، ورجح الجمهور ذلك أيضا من حديث عائشة لإخبارها ذلك عن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم . خرجه مسلم .

المسألة الثانية

[ صفة المني الموجبة للغسل ]

اختلف العلماء في الصفة المعتبرة في كون خروج المني موجبا للطهر .

فذهب مالك إلى اعتبار اللذة في ذلك . وذهب الشافعي إلى أن نفس خروجه هو الموجب للطهر سواء خرج بلذة أو بغير لذة .

وسبب اختلافهم في ذلك هو شيئان : أحدهما هل اسم الجنب ينطلق على الذي أجنب على الجهة الغير المعتادة أم ليس ينطلق عليه ؟ فمن رأى أنه إنما ينطلق على الذي أجنب على طريق العادة ، لم يوجب الطهر في خروجه من غير لذة ، ومن رأى أنه ينطلق على خروج المني كيفما خرج أوجب منه الطهر وإن لم يخرج مع لذة .

والسبب الثاني : تشبيه خروجه بغير لذة بدم الاستحاضة .

واختلافهم في خروج الدم على جهة الاستحاضة هل يوجب طهرا ، أم ليس يوجبه ؟ فسنذكره في باب الحيض وإن كان من هذا الباب .

وفي المذهب في هذا الباب فرع ، وهو إذا انتقل من أصل مجاريه بلذة ، ثم خرج في وقت آخر بغير لذة مثل أن يخرج من المجامع بعد أن يتطهر ، فقيل يعيد الطهر ، وقيل لا يعيده ، وذلك أن هذا النوع من الخروج صحبته اللذة في بعض نقلته ، ولم تصحبه في بعض ، فمن غلب حال اللذة قال : يجب الطهر ، ومن غلب حال عدم اللذة قال : لا يجب عليه الطهر .

التالي السابق


الخدمات العلمية