صفحة جزء
الموضع الرابع

في عضل الأولياء

واتفقوا على أنه ليس للولي أن يعضل وليته إذا دعت إلى كفء ، وبصداق مثلها ، وأنها ترفع أمرها إلى السلطان فيزوجها ، ما عدا الأب فإنه اختلف فيه المذهب .

واختلفوا بعد هذا الاتفاق فيما هي الكفاءة المعتبرة في ذلك ، وهل صداق المثل منها أم لا ؟

وكذلك اتفقوا على أن للمرأة أن تمنع نفسها من إنكاح من له من الأولياء جبرها إذا لم تكن فيها الكفاءة موجودة كالأب في ابنته البكر . أما غير البالغ باتفاق ، والبالغ والثيب الصغيرة باختلاف على ما تقدم ، وكذلك الوصي في محجوره على القول بالجبر .

فأما الكفاءة : فإنهم اتفقوا على أن الدين معتبر في ذلك إلا ما روي عن محمد بن الحسن من إسقاط اعتبار الدين ، ولم يختلف المذهب أن البكر إذا زوجها الأب من شارب الخمر - وبالجملة من فاسق - أن لها أن تمنع نفسها من النكاح . وينظر الحاكم في ذلك فيفرق بينهما ، وكذلك إن زوجها ممن ماله حرام ، أو ممن هو كثير الحلف بالطلاق .

[ ص: 405 ] واختلفوا في النسب : هل هو من الكفاءة أم لا ؟ وفي الحرية ، وفي اليسار ، وفي الصحة من العيوب :

فالمشهور عن مالك أنه يجوز نكاح الموالي من العرب ، وأنه احتج لذلك بقوله تعالى : ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) ، وقال سفيان الثوري ، وأحمد : لا تزوج العربية من مولى . وقال أبو حنيفة ، وأصحابه : لا تزوج قرشية إلا من قرشي ، ولا عربية إلا من عربي .

والسبب في اختلافهم : اختلافهم في مفهوم قوله عليه الصلاة والسلام : " تنكح المرأة لدينها وجمالها ومالها وحسبها ، فاظفر بذات الدين تربت يمينك " :

فمنهم من رأى أن الدين هو المعتبر فقط ، لقوله عليه الصلاة والسلام : " فعليك بذات الدين تربت يمينك " . ومنهم من رأى أن الحسب في ذلك هو بمعنى الدين ، وكذلك المال ، وأنه لا يخرج من ذلك إلا ما أخرجه الإجماع ، وهو كون الحسن ليس من الكفاءة ، وكل من يقول برد النكاح من العيوب يجعل الصحة منها من الكفاءة ، وعلى هذا فيكون الحسن يعتبر لجهة ما .

ولم يختلف المذهب أيضا أن الفقر مما يوجب فسخ إنكاح الأب ابنته البكر ( أعني : إذا كان فقيرا غير قادر على النفقة عليها ) فالمال عنده من الكفاءة ، ولم ير ذلك أبو حنيفة .

أما الحرية فلم يختلف المذهب أنها من الكفاءة لكون السنة الثابتة لتخيير الأمة إذا عتقت .

وأما مهر المثل فإن مالكا ، والشافعي يريان أنه ليس من الكفاءة ، وأن للأب أن ينكح ابنته بأقل من صداق المثل ( أعني : البكر ) ، وأن الثيب الرشيدة إذا رضيت به لم يكن للأولياء مقال . وقال أبو حنيفة : مهر المثل من الكفاءة .

وسبب اختلافهم : أما في الأب : فلاختلافهم هل له أن يضع من صداق ابنته البكر شيئا أم لا ؟ . وأما في الثيب فلاختلافهم هل ترتفع عنها الولاية في مقدار الصداق إذا كانت رشيدة كما ترتفع في سائر تصرفاتها المالية ; أم ليس ترتفع الولاية عن مقدار الصداق إذ كانت لا ترتفع عنها في التصرف في النكاح ، والصداق من أسبابه ، وقد كان هذا القول أخلق بمن يشترط الولاية ممن لم يشترطها ، لكن أتى الأمر بالعكس .

ويتعلق بأحكام الولاية مسألة مشهورة وهي : هل يجوز للولي أن ينكح وليته من نفسه أم لا يجوز ذلك ؟ فمنع ذلك الشافعي قياسا على الحاكم والشاهد ( أعني : أنه لا يحكم لنفسه ، ولا يشهد لنفسه ) ، وأجاز ذلك مالك ولا أعلم له حجة في ذلك إلا ما روي من : " أنه عليه الصلاة والسلام تزوج أم سلمة بغير ولي " لأن ابنها كان صغيرا ، وما ثبت : " أنه عليه الصلاة والسلام أعتق صفية ، فجعل صداقها عتقها " . والأصل عند الشافعي في أنكحة النبي عليه الصلاة والسلام أنها على الخصوص حتى يدل الدليل على العموم لكثرة خصوصيته في هذا المعنى صلى الله عليه وسلم ، ولكن تردد قوله في الإمام الأعظم .

التالي السابق


الخدمات العلمية