صفحة جزء
الموضع الثاني

في النظر في التقرر

واتفق العلماء على أن الصداق يجب كله بالدخول أو الموت :

أما وجوبه كله بالدخول : فلقوله تعالى : ( وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا ) الآية .

وأما وجوبه بالموت : فلا أعلم الآن فيه دليلا مسموعا إلا انعقاد الإجماع على ذلك .

واختلفوا هل من شرط وجوبه مع الدخول المسيس ، أم ليس ذلك من شرطه ، بل يجب بالدخول والخلوة ، وهو الذي يعنون بإرخاء الستور ؟ فقال مالك ، والشافعي ، وداود : لا يجب بإرخاء الستور إلا نصف المهر ما لم يكن المسيس . وقال أبو حنيفة : يجب المهر بالخلوة نفسها إلا أن يكون محرما أو مريضا أو صائما في رمضان أو كانت المرأة حائضا . وقال ابن أبي ليلى : يجب المهر كله بالدخول ولم يشترط في ذلك شيئا .

وسبب اختلافهم في ذلك : معارضة حكم الصحابة في ذلك لظاهر الكتاب ، وذلك أنه نص تبارك وتعالى في المدخول بها المنكوحة أنه ليس يجوز أن يؤخذ من صداقها شيء في قوله تعالى : ( وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض ) . ونص في المطلقة قبل المسيس أن لها نصف الصداق ، فقال تعالى : وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم وهذا نص كما ترى في حكم كل واحدة من هاتين الحالتين ( أعني : قبل المسيس ، وبعد المسيس ) ولا وسط بينهما ، فوجب بهذا إيجابا ظاهرا أن الصداق لا يجب إلا بالمسيس ، والمسيس هاهنا الظاهر من أمره أنه الجماع ، وقد يحتمل أن يحمل على أصله في اللغة وهو المس ، ولعل هذا هو الذي تأولت الصحابة ، ولذلك قال مالك في العنين المؤجل : إنه قد وجب لها الصداق عليه إذا وقع الطلاق لطول مقامه معها ، فجعل له دون الجماع تأثيرا في إيجاب الصداق .

وأما الأحكام الواردة في ذلك عن الصحابة فهو : أن من أغلق بابا أو أرخى سترا فقد وجب عليه الصداق لم يختلف عليهم في ذلك فيما حكموا .

واختلفوا من هذا الباب في فرع ، وهو إذا اختلفا في المسيس ( أعني : القائلين باشتراط المسيس ) ، [ ص: 411 ] وذلك مثل أن تدعي هي المسيس وينكر هو ، فالمشهور عن مالك أن القول قولها . وقيل : إن كان دخول بناء صدقت ، وإن كان دخول زيارة لم تصدق . وقيل : إن كانت بكرا نظر إليها النساء . فيتحصل فيها في المذهب ثلاثة أقوال ; وقال الشافعي ، وأهل الظاهر : القول قوله ، وذلك لأنه مدعى عليه . ومالك ليس يعتبر في وجوب اليمين على المدعى عليه من جهة ما هو مدعى عليه ; بل من جهة ما هو أقوى شبهة في الأكثر ، ولذلك يجعل القول في مواضع كثيرة قول المدعي إذا كان أقوى شبهة .

وهذا الخلاف يرجع إلى هل إيجاب اليمين على المدعى عليه معلل أو غير معلل ، وكذلك القول في وجوب البينة على المدعي ، وسيأتي هذا في مكانه .

التالي السابق


الخدمات العلمية