صفحة جزء
الفصل السابع

في موانع الرق

- واتفقوا على أنه يجوز للعبد أن ينكح الأمة ، وللحرة أن تنكح العبد إذا رضيت بذلك هي وأولياؤها .

واختلفوا في نكاح الحر الأمة . فقال قوم : يجوز بإطلاق ، وهو المشهور من مذهب ابن القاسم . وقال قوم : لا يجوز إلا بشرطين : عدم الطول ، وخوف العنت ، وهو المشهور من مذهب مالك ، وهو مذهب أبي حنيفة ، والشافعي .

والسبب في اختلافهم : معارضة دليل الخطاب في قوله تعالى : ( ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح ) الآية ، لعموم قوله : ( وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين ) الآية .

وذلك أن مفهوم دليل الخطاب في قوله تعالى : ( ومن لم يستطع منكم طولا ) الآية ، يقتضي أنه لا يحل نكاح الأمة إلا بشرطين : أحدهما : عدم الطول إلى الحرة ، والثاني : خوف العنت . وقوله تعالى : ( وأنكحوا الأيامى منكم ) يقتضي بعمومه إنكاحهن من حر أو عبد ، واحدا كان الحر أو غير واحد ، خائفا للعنت أو غير خائف . لكن دليل الخطاب أقوى هاهنا - والله أعلم - من العموم ، لأن هذا العموم لم يتعرض فيه إلى صفات الزوج المشترطة في نكاح الإماء ، وإنما المقصود به الأمر بإنكاحهن وألا يجبرن على النكاح ، وهو [ ص: 428 ] أيضا محمول على الندب عند الجمهور ، مع ما في ذلك من إرقاق الرجل ولده .

واختلفوا من هذا الباب في فرعين مشهورين ( أعني : الذين لم يجيزوا النكاح إلا بالشرطين المنصوص عليهما ) :

أحدهما : إذا كانت تحته حرة : هل هي طول ، أو ليست بطول ؟ فقال أبو حنيفة : هي طول . وقال غيره : ليست بطول . وعن مالك في ذلك القولان .

والمسألة الثانية : هل يجوز لمن وجد فيه هذان الشرطان نكاح أكثر من أمه واحدة : ثلاث أو أربع أو ثنتان ؟ فمن قال : إذا كانت تحته حرة فليس يخاف العنت لأنه غير عزب ، قال : إذا كانت تحته حرة لم يجز له نكاح الأمة . ومن قال : خوف العنت إنما يعتبر بإطلاق ، سواء كان عزبا أو متأهلا ، لأنه قد لا تكون الزوجة الأولى مانعة من العنت ، وهو لا يقدر على حرة تمنعه من العنت ، فله أن ينكح أمة ، لأن حاله مع هذه الحرة في خوف العنت كحاله قبلها ، وبخاصة إذا خشي العنت من الأمة التي يريد نكاحها .

وهذا بعينه هو السبب في اختلافهم : هل ينكح أمة ثانية على الأمة الأولى أو لا ينكحها ؟ وذلك أن من اعتبر خوف العنت مع كونه عزبا إذ كان الخوف على العزب أكثر قال : لا ينكح أكثر من أمة واحدة ، ومن اعتبره مطلقا قال : ينكح أكثر من أمة واحدة ، وكذلك يقول إنه ينكح على الحرة . واعتباره مطلقا فيه نظر .

وإذا قلنا : إن له أن يتزوج على الحرة أمة ، فتزوجها بغير إذنها فهل لها الخيار في البقاء معه ، أو في فسخ النكاح ؟ اختلف في ذلك قول مالك .

واختلفوا إذا وجد طولا بحرة : هل يفارق الأمة أم لا ؟ ولم يختلفوا أنه إذا ارتفع عنه خوف العنت أنه لا يفارقها ( أعني : أصحاب مالك ) .

واتفقوا من هذا الباب على أنه لا يجوز أن تنكح المرأة من ملكته وإنها إذا ملكت زوجها انفسخ النكاح .

التالي السابق


الخدمات العلمية