الباب الخامس  
في  
الأنكحة المنهي عنها بالشرع والأنكحة الفاسدة وحكمها     .  
- والأنكحة التي ورد النهي فيها مصرحا أربعة : نكاح الشغار ، ونكاح المتعة ، والخطبة على خطبة أخيه ، ونكاح المحلل .  
1 - فأما  
نكاح الشغار  فإنهم اتفقوا على أن صفته هو : أن ينكح الرجل وليته رجلا آخر على أن ينكحه الآخر وليته ، ولا صداق بينهما إلا بضع هذه ببضع الأخرى . واتفقوا على أنه نكاح غير جائز لثبوت النهي عنه .   
[ ص: 440 ] واختلفوا إذا وقع هل يصحح بمهر المثل أم لا ؟ فقال  
مالك     : لا يصحح ، ويفسخ أبدا قبل الدخول وبعده ، وبه قال  
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  إلا أنه قال : إن سمى لأحدهما صداقا أو لهما معا فالنكاح ثابت بمهر المثل ، والمهر الذي سمياه فاسد . وقال  
أبو حنيفة     : نكاح الشغار يصح بفرض صداق المثل ، وبه قال  
الليث  ،  
وأحمد  ، وإسحاق ،  
 nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور  ،  
 nindex.php?page=showalam&ids=16935والطبري     .  
وسبب اختلافهم : هل النهي المعلق بذلك معلل بعدم العوض أو غير معلل ؟ فإن قلنا : غير معلل لزم الفسخ على الإطلاق . وإن قلنا العلة عدم الصداق صح بفرض صداق المثل ، مثل العقد على خمر أو على خنزير .  
وقد أجمعوا على أن النكاح المنعقد على الخمر والخنزير لا يفسخ إذا فات بالدخول ، ويكون فيه مهر المثل .  
وكأن  
مالكا  رضي الله عنه رأى أن الصداق وإن لم يكن من شرط صحة العقد - ففساد العقد هاهنا من قبل فساد الصداق - مخصوص لتعلق النهي به ، أو رأى أن النهي إنما يتعلق بنفس تعيين العقد ، والنهي يدل على فساد المنهي .  
2 - وأما  
نكاح المتعة     : فإنه وإن تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحريمه ، إلا أنها اختلفت في الوقت الذي وقع فيه التحريم ، ففي بعض الروايات : أنه حرمها يوم  
خيبر   ، وفي بعضها : يوم الفتح ، وفي بعضها : في غزوة  
تبوك   ، وفي بعضها : في حجة الوداع ، وفي بعضها : في عمرة القضاء ، وفي بعضها : في عام أوطاس . وأكثر الصحابة وجميع فقهاء الأمصار على تحريمها .  
واشتهر عن  
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  تحليلها ، وتبع  
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  على القول بها أصحابه من أهل مكة وأهل اليمن ، ورووا أن  
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  كان يحتج لذلك لقوله تعالى : (  
فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم     ) وفي حرف عنه : إلى أجل مسمى ، وروي عنه أنه قال : ما كانت المتعة إلا رحمة من الله عز وجل رحم بها أمة  
محمد   صلى الله عليه وسلم ، ولولا نهي  
عمر  عنها ما اضطر إلى الزنا إلا شقي . وهذا الذي روي عن  
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  رواه عنه  
 nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج   nindex.php?page=showalam&ids=16705وعمرو بن دينار     . وعن  
عطاء  قال : " سمعت  
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006520جابر بن عبد الله يقول : " تمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم  وأبي بكر  ونصفا من خلافة  عمر  ، ثم نهى عنها  عمر  الناس     " .  
3 - وأما اختلافهم في النكاح الذي تقع فيه الخطبة على خطبه غيره : فقد تقدم أن فيه ثلاثة أقوال : قول بالفسخ ، وقول بعدم الفسخ . وفرق بين أن ترد الخطبة على خطبة الغير بعد الركون والقرب من التمام ، أو لا ترد ، وهو مذهب  
مالك     .  
4 - وأما  
نكاح المحلل     ( أعني : الذي يقصد بنكاحه تحليل المطلقة ثلاثا ) : فإن  
مالكا  قال : هو نكاح مفسوخ . وقال  
أبو حنيفة  ،  
 nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي     : هو نكاح صحيح .  
وسبب اختلافهم : اختلافهم في مفهوم قوله عليه الصلاة والسلام : "  
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006521لعن الله المحلل     " الحديث .  
فمن فهم من اللعن التأثيم فقط قال : النكاح صحيح . ومن فهم من التأثيم فساد العقل تشبيها بالنهي الذي يدل على فساد المنهي عنه قال : النكاح فاسد . فهذه هي الأنكحة الفاسدة بالنهي .  
وأما  
الأنكحة الفاسدة  بمفهوم الشرع : فإنها تفسد إما بإسقاط شرط من شروط صحة النكاح ، أو لتغيير      
[ ص: 441 ] حكم واجب بالشرع من أحكامه مما هو عن الله عز وجل ، وإما بزيادة تعود إلى إبطال شرط من شروط الصحة .  
وأما الزيادات التي تعرض من هذا المعنى فإنها لا تفسد النكاح باتفاق .  
وإنما اختلف العلماء في لزوم الشروط التي بهذه الصفة أو لا لزومها ، مثل أن يشترط عليه أن لا يتزوج عليها ، أو لا يتسرى ، أو لا ينقلها من بلدها ، فقال  
مالك     : إن اشترط ذلك لم يلزمه إلا أن يكون في ذلك يمين بعتق أو طلاق ، فإن ذلك يلزمه ، إلا أن يطلق أو يعتق من أقسم عليه ، فلا يلزم الشرط الأول أيضا ، وكذلك قال  
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  ،  
وأبو حنيفة     . وقال الأوزاعي  
 nindex.php?page=showalam&ids=16438وابن شبرمة     : لها شرطها وعليه الوفاء . وقال  
 nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب :  كان من أدركت من العلماء يقضون بها . وقول الجماعة مروي عن  
علي  ، وقول  
 nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي  مروي عن  
عمر     .  
وسبب اختلافهم : معارضة العموم للخصوص .  
فأما العموم : فحديث  
عائشة  رضي الله عنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الناس ، فقال في خطبته : "  
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006522كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ، ولو كان مائة شرط     " .  
وأما الخصوص : فحديث  
 nindex.php?page=showalam&ids=27عقبة بن عامر  عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "  
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006523أحق الشروط أن يوفى به ما استحللتم به الفروج     " . والحديثان صحيحان خرجهما  
 nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري  ومسلم  ، إلا أن المشهور عند الأصوليين القضاء بالخصوص على العموم ، وهو لزوم الشروط ، وهو ظاهر ما وقع في العتبية ، وإن كان المشهور خلاف ذلك .  
وأما الشروط المقيدة بوضع من الصداق فإنه قد اختلف فيها المذهب اختلافا كثيرا ( أعني : في لزومها ، أو عدم لزومها ) ، وليس كتابنا هذا موضوعا على الفروع .  
وأما حكم الأنكحة الفاسدة إذا وقعت :  
فمنها : ما اتفقوا على فسخه قبل الدخول وبعده ، وهو ما كان منها فاسدا بإسقاط شرط متفق على وجوب صحة النكاح بوجوده ، مثل أن ينكح محرمة العين .  
ومنها : ما اختلفوا فيه بحسب اختلافهم في ضعف علة الفساد وقوتها ، ولماذا يرجع من الإخلال بشروط الصحة ،  
ومالك  في هذا الجنس - وذلك في الأكثر - يفسخه قبل الدخول ، ويثبته بعده ، والأصل فيه عنده : أن لا فسخ ، ولكنه يحتاط بمنزلة ما يرى في كثير من البيع الفاسد أنه يفوت بحوالة الأسواق وغير ذلك ، ويشبه أن تكون هذه عنده هي الأنكحة المكروهة ، وإلا فلا وجه للفرق بين الدخول وعدم الدخول ، والاضطراب في المذهب في هذا الباب كثير ، وكأن هذا راجع عنده إلى قوة دليل الفسخ وضعفه ، فمتى كان الدليل عنده قويا فسخ قبله وبعده ، ومتى كان ضعيفا فسخ قبل ولم يفسخ بعد ، وسواء كان الدليل القوي متفقا عليه أو مختلفا فيه .  
ومن قبل هذا أيضا اختلف المذهب في وقوع الميراث في الأنكحة الفاسدة إذا وقع الموت قبل الفسخ ، وكذلك وقوع الطلاق فيه ، فمرة اعتبر فيه الاختلاف والاتفاق ، ومرة اعتبر فيه الفسخ بعد الدخول أو عدمه ، وقد نرى أن نقطع هاهنا القول في هذا الكتاب ، فإن ما ذكرنا منه كفاية بحسب غرضنا المقصود .