صفحة جزء
كتاب الإيلاء .

( بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما ) . كتاب الإيلاء .

والأصل في هذا الباب قوله تعالى : ( للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر ) .

والإيلاء : هو أن يحلف الرجل أن لا يطأ زوجته ، إما مدة هي أكثر من أربعة أشهر ، أو أربعة أشهر ، أو بإطلاق على الاختلاف المذكور في ذلك فيما بعد .

واختلف فقهاء الأمصار في الإيلاء في مواضع :

فمنها : هل تطلق المرأة بانقضاء الأربعة الأشهر المضروبة بالنص للمولي ، أم إنما تطلق بأن يوقف بعد الأربعة الأشهر ؟ فإما فاء وإما طلق .

ومنها : هل الإيلاء يكون بكل يمين ، أم بالأيمان المباحة في الشرع فقط ؟ .

ومنها : إن أمسك عن الوطء بغير يمين هل يكون موليا أم لا ؟ .

ومنها : هل المولي هو الذي قيد يمينه بمده من أربعة أشهر فقط أو أكثر من ذلك ؟ أو المولي هو الذي لم يقيد يمينه بمده أصلا ؟ .

ومنها : هل طلاق الإيلاء بائن أو رجعي ؟ .

ومنها : إن أبى الطلاق والفيء هل يطلق القاضي عليه أم لا ؟ .

[ ص: 475 ] ومنها : هل يتكرر الإيلاء إذا طلقها ثم راجعها من غير إيلاء حادث في الزواج الثاني ؟ .

ومنها : هل من شروط رجعة المولي أن يطأها في العدة أم لا ؟ .

ومنها : هل إيلاء العبد حكمه أن يكون مثل إيلاء الحر أم لا ؟ .

ومنها : هل إذا طلقها بعد انقضاء مدة الإيلاء تلزمها عدة أم لا ؟ . فهذه هي مسائل الخلاف المشهورة في الإيلاء بين فقهاء الأمصار التي تتنزل من هذا الباب منزلة الأصول ، ونحن نذكر خلافهم في مسألة مسألة منها ، وعيون أدلتهم ، وأسباب خلافهم على ما قصدنا .

المسألة الأولى

[ هل تطلق المرأة بانقضاء الأربعة الأشهر المضروبة ؟ ]

أما اختلافهم هل تطلق بانقضاء الأربعة الأشهر نفسها ، أم لا تطلق وإنما الحكم أن يوقف فإما فاء وإما طلق ؟ .

فإن مالكا ، والشافعي ، وأحمد ، وأبا ثور ، وداود ، والليث ذهبوا إلى أنه يوقف بعد انقضاء الأربعة الأشهر ، فإما فاء وإما طلق ، وهو قول علي ، وابن عمر ، وإن كان قد روي عنهما غير ذلك ، لكن الصحيح هو هذا .

وذهب أبو حنيفة وأصحابه والثوري - وبالجملة الكوفيون - إلى أن الطلاق يقع بانقضاء الأربعة الأشهر إلا أن يفيء فيها ، وهو قول ابن مسعود وجماعة من التابعين .

وسبب الخلاف : هل قوله تعالى : ( فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم ) أي : فإن فاءوا قبل انقضاء الأربعة الأشهر أو بعدها ؟ .

فمن فهم منه قبل انقضائها قال : يقع الطلاق ، ومعنى العزم عنده في قوله تعالى : ( وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم ) أن لا يفيء حتى تنقضي المدة . فمن فهم من اشتراط الفيئة اشتراطها بعد انقضاء المدة قال : معنى قوله : ( وإن عزموا الطلاق ) أي باللفظ فإن الله سميع عليم .

وللمالكية في الآية أربعة أدلة : أحدها : أنه جعل مدة التربص حقا للزوج دون الزوجة ، فأشبهت مدة الأجل في الديون المؤجلة .

الدليل الثاني : أن الله تعالى أضاف الطلاق إلى فعله . وعندهم ليس يقع من فعله إلا تجوزا ( أعني : ليس ينسب إليه على مذهب الحنفية إلا تجوزا ) ، وليس يصار إلى المجاز عن الظاهر إلا بدليل .

الدليل الثالث : قوله تعالى : ( وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم ) قالوا : فهذا يقتضي وقوع الطلاق على وجه يسمع ، وهو وقوعه باللفظ لا بانقضاء المدة .

الرابع : أن الفاء في قوله تعالى : ( فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم ) ظاهرة في معنى التعقيب ، فدل ذلك على أن الفيئة بعد المدة ، وربما شبهوا هذه المدة بمدة العتق .

وأما أبو حنيفة فإنه اعتمد في ذلك تشبيه هذه المدة بالعدة الرجعية ، إذ كانت العدة إنما شرعت لئلا يقع منه ندم . وبالجملة فشبهوا الإيلاء بالطلاق الرجعي ، وشبهوا المدة بالعدة وهو شبه قوي ، وقد روي ذلك عن ابن عباس .

[ ص: 476 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية