صفحة جزء
الفصل الرابع في حكم نكول أحدهما أو رجوعه .

فأما إذا نكل الزوج : فقال الجمهور : إنه يحد ، وقال أبو حنيفة : إنه لا يحد ، ويحبس . وحجة الجمهور عموم قوله تعالى : ( والذين يرمون المحصنات ) الآية ، وهذا عام في الأجنبي ، والزوج ، وقد جعل الالتعان للزوج مقام الشهود ، فوجب إذا نكل أن يكون بمنزلة من قذف ، ولم يكن له شهود ( أعني : أنه يحد ) .

وما جاء أيضا من حديث ابن عمرو ، وغيره في قصة العجلاني من قوله عليه الصلاة والسلام : " إن قتلت [ ص: 492 ] قتلت ، وإن نطقت جلدت ، وإن سكت سكت على غيظ " . واحتج الفريق الثاني بأن آية اللعان لم تتضمن إيجاب الحد عليه عند النكول ، والتعريض لإيجابه زيادة في النص ، والزيادة عندهم نسخ ، والنسخ لا يجوز بالقياس ولا بأخبار الآحاد ، قالوا : وأيضا لو وجب الحد لم ينفعه الالتعان ، ولا كان له تأثير في إسقاطه ، لأن الالتعان يمين فلم يسقط به الحد عن الأجنبي ، فكذلك الزوج .

والحق أن الالتعان يمين مخصوصة ، فوجب أن يكون لها حكم مخصوص ، وقد نص على المرأة أن اليمين يدرأ عنها العذاب ، فالكلام فيما هو العذاب الذي يندرئ عنها باليمين .

وللاشتراك الذي في اسم العذاب اختلفوا أيضا في الواجب عليها إذا نكلت ، فقال الشافعي ، ومالك ، وأحمد ، والجمهور : إنها تحد ، وحدها الرجم إن كان دخل بها ووجدت فيها شروط الإحصان ، وإن لم يكن دخل بها فالجلد . وقال أبو حنيفة إذا نكلت وجب عليها الحبس حتى تلاعن ، وحجته قوله عليه الصلاة والسلام : " لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : زنا بعد إحصان ، أو كفر بعد إيمان ، أو قتل نفس بغير نفس " ، وأيضا فإن سفك الدم بالنكول حكم ترده الأصول ، فإنه إذا كان كثير من الفقهاء لا يوجبون غرم المال بالنكول فكان بالحري أن لا يجب بذلك سفك الدماء . وبالجملة فقاعدة الدماء مبناها في الشرع على أنها لا تراق إلا بالبينة العادلة ، أو بالاعتراف ، ومن الواجب ألا تخصص هذه القاعدة بالاسم المشترك ، فأبو حنيفة في هذه المسألة أولى بالصواب إن شاء الله . وقد اعترف أبو المعالي في كتابه البرهان بقوة أبي حنيفة في هذه المسألة ، وهو شافعي .

واتفقوا على أنه إذا أكذب نفسه حد وألحق به الولد إن كان نفى ولدا .

واختلفوا : هل له أن يراجعها بعد اتفاق جمهورهم على أن الفرقة تجب باللعان ، إما بنفسه وإما بحكم حاكم على ما نقوله بعد ; فقال مالك ، والشافعي ، والثوري ، وداود ، وأحمد ، وجمهور فقهاء الأمصار : إنهما لا يجتمعان أبدا ، وإن أكذب نفسه; وقال أبو حنيفة ، وجماعة : إذا أكذب نفسه جلد الحد ، وكان خاطبا من الخطاب; وقد قال قوم : ترد إليه امرأته . وحجة الفريق الأول قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " لا سبيل لك عليها " ، ولم يستثن فأطلق التحريم . وحجة الفريق الثاني أنه إذا أكذب نفسه فقد بطل حكم اللعان ، فكما يلحق به الولد كذلك ترد المرأة عليه ، وذلك أن السبب الموجب للتحريم إنما هو الجهل بتعيين صدق أحدهما مع القطع بأن أحدهما كاذب ، فإذا انكشف ارتفع التحريم .

التالي السابق


الخدمات العلمية