فصل [ 2 - البيوع المسكوت عنها ]  
وأما المسائل المسكوت عنها في هذا الباب المختلف فيها بين فقهاء الأمصار فكثيرة ، لكن نذكر منها أشهرها لتكون كالقانون للمجتهد النظار .  
مسألة [  
بيع الغائب والموحصوف     ]  
المبيعات على نوعين : مبيع حاضر مرئي ، فهذا لا خلاف في بيعه . ومبيع غائب أو متعذر الرؤية ، فهنا اختلف العلماء; فقال قوم : بيع الغائب لا يجوز بحال من الأحوال لا ما وصف ولا ما لم يوصف ، وهذا أشهر قولي  
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  ، وهو المنصوص عند أصحابه ، ( أعني أن بيع الغائب على الصفة لا يجوز ) ; وقال  
مالك  ، وأكثر  
أهل  المدينة       : يجوز بيع الغائب على الصفة إذا كانت غيبته مما يؤمن أن تتغير فيه قبل القبض صفته; وقال  
أبو حنيفة     : يجوز بيع العين الغائبة من غير صفة ، ثم له إذا رآها الخيار ، فإن شاء أنفذ البيع وإن شاء رده .  
وكذلك المبيع على الصفة من شرطه عندهم خيار الرؤية وإن جاء على الصفة; وعند  
مالك  أنه إذا جاء على الصفة فهو لازم; وعند  
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  لا ينعقد البيع أصلا في الموضعين; وقد قيل في المذهب : يجوز بيع الغائب من غير صفة على شرط الخيار خيار الرؤية ، وقع ذلك في المدونة ، وأنكره  
عبد الوهاب  ، وقال : هو مخالف لأصولنا .  
وسبب الخلاف : هل نقصان العلم المتعلق بالصفة عن العلم المتعلق بالحس هو جهل مؤثر في بيع الشيء فيكون من الغرر الكثير ، أم ليس بمؤثر ، وأنه من الغرر اليسير المعفو عنه ؟  
فالشافعي  رآه من الغرر الكثير;  
ومالك  رآه من الغرر اليسير; وأما  
أبو حنيفة  فإنه رأى أنه إذا كان له خيار      
[ ص: 521 ] الرؤية أنه لا غرر هناك ، وإن لم تكن له رؤية; وأما  
مالك  فرأى أن الجهل المقترن بعدم الصفة مؤثر في انعقاد البيع ، ولا خلاف عند  
مالك  أن الصفة إنما تنوب عن المعاينة لمكان غيبة المبيع ، أو لمكان المشقة التي في نشره ، وما يخاف أن يلحقه من الفساد بتكرار النشر عليه ؛ ولهذا أجاز البيع على البرنامج على الصفة ، ولم يجز عنده بيع السلاح في جرابه ، ولا الثوب المطوي في طيه حتى ينشر ، أو ينظر إلى ما في جرابها . واحتج  
أبو حنيفة  بما روي عن  
 nindex.php?page=showalam&ids=15990ابن المسيب  أنه قال :  قال أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم : وددنا أن  
 nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان  ،  
 nindex.php?page=showalam&ids=38وعبد الرحمن بن عوف  تبايعا حتى نعلم أيهما أعظم جدا في التجارة ، فاشترى  
عبد الرحمن  من  
 nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان  فرسا بأرض له أخرى بأربعين ألفا أو أربعة آلاف  ، فذكر تمام الخبر ، وفيه بيع الغائب مطلقا ، ولا بد عند  
أبي حنيفة  من اشتراط الجنس .  
ويدخل البيع على الصفة ، أو على خيار الرؤية من جهة ما هو غائب غرر آخر ، وهو هل هو موجود وقت العقد أو معدوم ؟ ولذلك اشترطوا فيه أن يكون قريب الغيبة إلا أن يكون مأمونا كالعقار ، ومن هاهنا أجاز  
مالك  بيع الشيء برؤية متقدمة ، ( أعني : إذا كان من القرب بحيث يؤمن أن تتغير فيه ) فاعلمه .  
مسألة [ تأخير تسليم المبيع ]  
وأجمعوا على أنه لا يجوز  
بيع الأعيان إلى أجل  ، وأن من شرطها تسليم المبيع إلى المبتاع بأثر عقد الصفقة ، إلا أن  
مالكا  ،  
وربيعة  ، وطائفة من  
أهل  المدينة    أجازوا بيع الجارية الرفيعة على شرط المواضعة ، ولم يجيزوا فيها النقد كما لم يجزه  
مالك  في بيع الغائب ، وإنما منع ذلك الجمهور لما يدخله من الدين بالدين ، ومن عدم التسليم ، ويشبه أن يكون بيع الدين بالدين من هذا الباب ، ( أعني : لما يتعلق بالغرر من عدم التسليم من الطرفين ) لا من باب الربا ، وقد تكلمنا في علة الدين بالدين .  
ومن هذا الباب ما كان يرى  
ابن القاسم  أنه لا يجوز أن يأخذ الرجل من غريمه في دين له عليه تمرا قد بدا صلاحه ، ويراه من باب الدين بالدين ، وكان  
أشهب  يجيز ذلك ، ويقول : إنما الدين بالدين ما لم يشرع في قبض شيء منه ، ( أعني : أنه كان يرى أن قبض الأوائل من الأثمان يقوم مقام قبض الأواخر ) ، وهو القياس عند كثير من المالكيين ، وهو قول  
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  ،  
وأبي حنيفة     .