[ الجزء الثالث ] [ أسباب الصحة في البيوع المطلقة ]  
القسم الثاني : والأسباب والشروط المصححة للبيع هي بالجملة ضد الأسباب المفسدة له ، وهي منحصرة في ثلاثة أجناس : النظر الأول : في العقد . والثاني : في المعقود عليه . والثالث : في العاقدين . ففي هذا القسم ثلاثة أبواب . الباب الأول في العقد  
والعقد لا يصح إلا بألفاظ البيع والشراء التي صيغتها ماضية  ، مثل أن يقول البائع : قد بعت منك ، ويقول المشتري : قد اشتريت منك ، وإذا  
قال له : بعني سلعتك بكذا وكذا ، فقال : قد بعتها     . فعند  
مالك  أن البيع قد وقع وقد لزم المستفهم إلا أن يأتي في ذلك بعذر ، وعند  
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  أنه لا يتم حتى يقول المشتري قد اشتريت ، وكذلك إذا  
قال المشتري للبائع : بكم تبيع سلعتك ؟ فيقول المشتري بكذا وكذا ، فقال : قد اشتريت منك     . اختلف هل يلزم البيع أم لا حتى يقول : قد بعتها منك .  
وعند  
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  أنه يقع البيع بالألفاظ الصريحة وبالكناية ، ولا أذكر  
لمالك  في ذلك قولا ، ولا يكفي عند  
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  المعاطاة  دون قول .  
ولا خلاف فيما أحسب أن الإيجاب والقبول المؤثرين في اللزوم لا يتراخى أحدهما عن الثاني حتى يفترق المجلس ، ( أعني : أنه متى قال للبائع : قد بعت سلعتي بكذا وكذا فسكت المشتري ، ولم يقبل البيع حتى افترقا ، ثم أتى بعد ذلك ، فقال : قد قبلت أنه لا يلزم ذلك البائع ) .  
واختلفوا متى يكون اللزوم ؟ فقال  
مالك  ،  
وأبو حنيفة  ، وأصحابهما ، وطائفة من  
أهل  المدينة       : إن البيع يلزم في المجلس بالقول ، وإن لم يفترقا; وقال  
 nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي  ،  
وأحمد  ،  
وإسحاق  ،  
 nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور  ،  
وداود  ،  
 nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر  من الصحابة      
[ ص: 533 ] رضي الله عنهم : البيع لازم بالافتراق من المجلس ، وأنهما مهما لم يفترقا ، فليس يلزم البيع ولا ينعقد ، وهو قول  
 nindex.php?page=showalam&ids=12493ابن أبي ذئب  في طائفة من  
أهل  المدينة    ،  
 nindex.php?page=showalam&ids=16418وابن المبارك  ،  
 nindex.php?page=showalam&ids=16069وسوار القاضي  ،  
 nindex.php?page=showalam&ids=16097وشريح القاضي  ، وجماعة من التابعين وغيرهم ، وهو مروي عن  
 nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر  ،  
 nindex.php?page=showalam&ids=88وأبي برزة الأسلمي  من الصحابة ، ولا مخالف لهما من الصحابة .  
وعمدة المشترطين  
لخيار المجلس     : حديث  
مالك  ، عن  
نافع  ، عن  
 nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر  أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال "  
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006607المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يفترقا إلا بيع الخيار     " ، وفي بعض روايات هذا الحديث : "  
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006608إلا أن يقول أحدهما لصاحبه : اختر     " ، وهذا حديث إسناده عند الجميع من أوثق الأسانيد ، وأصحها ، حتى لقد زعم  
أبو محمد  أن مثل هذا الإسناد يوقع العلم ، وإن كان من طريق الآحاد . وأما المخالفون فقد اضطرب بهم وجه الدليل لمذهبهم في رد العمل بهذا الحديث . فالذي اعتمد عليه  
مالك     - رحمه الله - في رد العمل به أنه لم يلف عمل  
أهل  المدينة    عليه مع أنه قد عارضه عنده ما رواه من منقطع حديث  
 nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود  أنه قال : "  
nindex.php?page=hadith&LINKID=1006609أيما بيعين تبايعا فالقول قول البائع أو يترادان     " ، فكأنه حمل هذا على عمومه ، وذلك يقتضي أن يكون في المجلس ، وبعد المجلس ، ولو كان المجلس شرطا في انعقاد البيع لم يكن يحتاج فيه إلى تبيين حكم الاختلاف في المجلس لأن البيع بعد لم ينعقد ، ولا لزم بل بعد الافتراق من المجلس ، وهذا الحديث منقطع ، ولا يعارض به الأول ، وبخاصة أنه لا يعارضه إلا من توهم العموم فيه ، والأولى أن ينبني هذا على ذلك ، وهذا الحديث لم يخرجه أحد مسندا فيما أحسب ، فهذا هو الذي اعتمده  
مالك     - رحمه الله - في ترك العمل بهذا الحديث .  
وأما أصحاب  
مالك  فاعتمدوا في ذلك على ظواهر سمعية ، وعلى القياس ، فمن أظهر الظاهر في ذلك قوله عز وجل : (  
ياأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود     ) ، والعقد هو الإيجاب ، والقبول ، والأمر على الوجوب ، وخيار المجلس يوجب ترك الوفاء بالعقد ، لأن له عندهم أن يرجع في البيع بعد ما أنعم ما لم يفترقا . وأما القياس فإنهم قالوا : عقد معاوضة ، فلم يكن لخيار المجلس فيه أثر أصله سائر العقود ، مثل النكاح ، والكتابة ، والخلع ، والرهون ، والصلح على دم العمد ، فلما قيل لهم إن الظواهر التي تحتجون بها يخصصها الحديث المذكور ، فلم يبق لكم في مقابلة الحديث إلا القياس ، فيلزمكم على هذا أن تكونوا ممن يرى تغليب القياس على الأثر ، وذلك مذهب مهجور عند المالكية ، وإن كان قد روي عن  
مالك  تغليب القياس على السماع ، مثل قول  
أبي حنيفة  ، فأجابوا عن ذلك بأن هذا ليس من باب رد الحديث بالقياس ، ولا تغليب ، وإنما هو من باب تأويله وصرفه عن ظاهره . قالوا : وتأويل الظاهر بالقياس متفق عليه عند الأصوليين . قالوا : ولنا فيه تأويلان : أحدهما : أن المتبايعين في الحديث المذكور هما المتساومان اللذان لم ينفذ بينهما البيع ، فقيل لهم إنه يكون الحديث على هذا لا فائدة فيه لأنه معلوم من دين الأمة أنهما بالخيار إذ لم يقع بينهما عقد بالقول . وأما التأويل الآخر ، فقالوا : إن التفرق هاهنا إنما هو كناية عن الافتراق بالقول لا التفرق بالأبدان كما قال الله تعالى : (  
وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته     ) ، والاعتراض على هذا أن هذا مجاز لا حقيقة ،      
[ ص: 534 ] والحقيقة هي التفرق بالأبدان ، ووجه الترجيح أن يقاس بين ظاهر هذا اللفظ ، والقياس فيغلب الأقوى ، والحكمة في ذلك هي لموضع الندم ، فهذه هي أصول الركن الأول الذي هو العقد .