صفحة جزء
الباب الثاني

في معرفة من تجوز له هذه الطهارة .

وأما من تجوز له هذه الطهارة ، فأجمع العلماء أنها تجوز لاثنين : للمريض والمسافر إذا عدما الماء .

واختلفوا في أربع : المريض يجد الماء ويخاف من استعماله ، وفي الحاضر يعدم الماء ، وفي الصحيح المسافر يجد الماء فيمنعه من الوصول إليه خوف ، وفي الذي يخاف من استعماله من شدة البرد .

[ ص: 59 ] فأما المريض الذي يجد الماء ويخاف من استعماله ، فقال الجمهور : يجوز التيمم له ; وكذلك الصحيح الذي يخاف الهلاك أو المرض الشديد من برد الماء ، وكذلك الذي يخاف من الخروج إلى الماء ، إلا أن معظمهم أوجب عليه الإعادة إذا وجد الماء ، وقال عطاء : لا يتيمم المريض ولا غير المريض إذا وجد الماء .

وأما الحاضر الصحيح الذي يعدم الماء ، فذهب مالك والشافعي إلى جواز التيمم له ، وقال أبو حنيفة : لا يجوز التيمم للحاضر الصحيح وإن عدم الماء .

وسبب اختلافهم في هذه المسائل الأربع التي هي قواعد هذا الباب ; أما في المريض الذي يخاف من استعمال الماء ، فهو اختلافهم : هل في الآية محذوف مقدر في قوله تعالى : ( وإن كنتم مرضى أو على سفر ) . فمن رأى أن في الآية حذفا وأن تقدير الكلام وإن كنتم مرضى لا تقدرون على استعمال الماء ، وأن الضمير في قوله تعالى ( فلم تجدوا ماء ) إنما يعود على المسافر فقط - أجاز التيمم للمريض الذي يخاف من استعمال الماء .

ومن رأى أن الضمير في " فلم تجدوا ماء " يعود على المريض والمسافر معا ، وأنه ليس في الآية حذف - لم يجز للمريض إذا وجد الماء التيمم .

وأما سبب اختلافهم في الحاضر الذي يعدم الماء ، فاحتمال الضمير الذي في قوله تعالى : " فلم تجدوا ماء " أن يعود على أصناف المحدثين ( أعني الحاضرين والمسافرين ، أو على المسافرين فقط ) . فمن رآه عائدا على جميع أصناف المحدثين أجاز التيمم للحاضرين ، ومن رآه عائدا على المسافرين فقط أو على المرضى والمسافرين لم يجز التيمم للحاضر الذي عدم الماء .

وأما سبب اختلافهم في الخائف من الخروج إلى الماء ، فاختلافهم في قياسه على من عدم الماء ، وكذلك اختلافهم في الصحيح يخاف من برد الماء ، السبب فيه هو اختلافهم في قياسه على المريض الذي يخاف من استعمال الماء ، وقد رجح مذهبهم القائلون بجواز التيمم للمريض بحديث جابر في المجروح الذي اغتسل فمات ، فأجاز عليه الصلاة والسلام المسح له وقال : " قتلوه قتلهم الله " ، وكذلك رجحوا أيضا قياس الصحيح الذي يخاف من برد الماء على المريض بما روي أيضا في ذلك عن عمرو بن العاص أنه أجنب في ليلة باردة ، فتيمم ، وتلا قول الله تعالى : ( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ) فذكر ذلك للنبي - عليه الصلاة والسلام - فلم يعنف .

التالي السابق


الخدمات العلمية