صفحة جزء
بسم الله الرحمن الرحيم .

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما .

كتاب الشركة .

والنظر في الشركة : في أنواعها ، وفي أركانها الموجبة للصحة في الأحكام ، ونحن نذكر من هذه الأبواب ما اتفقوا عليه ، وما اشتهر الخلاف فيه بينهم على ما قصدناه في هذا الكتاب .

والشركة بالجملة عند فقهاء الأمصار على أربعة أنواع : شركة العنان ، وشركة الأبدان ، وشركة [ ص: 600 ] المفاوضة ، وشركة الوجوه . واحدة منها متفق عليها ، وهي شركة العنان ، وإن كان بعضهم لم يعرف هذا اللفظ ، وإن كانوا اختلفوا في بعض شروطها على ما سيأتي بعد . والثلاثة مختلف فيها ، ومختلف في بعض شروطها عند من اتفق منهم عليها .

القول في شركة العنان .

وأركان هذه الشركة ثلاثة :

الأول : محلها من الأموال .

والثاني : في معرفة قدر الربح من قدر المال المشترك فيه .

والثالث : في معرفة قدر العمل من الشريكين من قدر المال .

الركن الأول .

[ محلها من الأموال ] .

فأما محل الشركة : فمنه ما اتفقوا عليه ، ومنه ما اختلفوا فيه . فاتفق المسلمون على أن الشركة تجوز في الصنف الواحد من العين ( أعني : الدنانير ، والدراهم ) ، وإن كانت في الحقيقة بيعا لا تقع فيه مناجزة ، ومن شرط البيع في الذهب وفي الدراهم المناجزة ، لكن الإجماع خصص هذا المعنى في الشركة .

وكذلك اتفقوا فيما أعلم على الشركة بالعرضين يكونان بصفة واحدة ، واختلفوا في الشركة بالعرضين المختلفين وبالعيون المختلفة ، مثل الشركة بالدنانير من أحدها والدراهم من الآخر ، وبالطعام الربوي إذا كان صنفا واحدا ، فهاهنا ثلاث مسائل :

المسألة الأولى .

[ الشركة في صنفين مختلفين ] .

فأما إذا اشتركا في صنفين من العروض ، أو في عروض ودراهم ودنانير ، فأجاز ذلك ابن القاسم ، وهو مذهب مالك ، وقد قيل عنه إنه كره ذلك .

وسبب الكراهية : اجتماع الشركة فيها والبيع ، وذلك أن يكون العرضان مختلفين ، كأن كل واحد منهما باع جزءا من عرضه بجزء من العرض الآخر .

ومالك يعتبر في العروض إذا وقعت فيها الشركة القيم . والشافعي يقول : لا تنعقد الشركة إلا على أثمان العروض . وحكى أبو حامد أن ظاهر مذهب الشافعي يشير إلى أن الشركة مثل القراض لا تجوز إلا بالدراهم ، والدنانير ، قال : والقياس أن الإشاعة فيها تقوم مقام الخلط .

المسألة الثانية .

[ الشركة في صنفين ربويين ] .

وأما إن كان الصنفان مما لا يجوز فيهما النساء مثل الشركة بالدنانير من عند أحدهما ، والدراهم من عند الآخر ، أو بالطعامين المختلفين ، فاختلف في ذلك قول مالك ، فأجازه مرة ، ومنعه مرة . وذلك لما يدخل [ ص: 601 ] الشركة بالدراهم من عند أحدهما ، والدنانير من عند الآخر من الشركة والصرف معا ، وعدم التناجز ، ولما يدخل الطعامين المختلفين من الشركة ، وعدم التناجز; وبالمنع قال ابن القاسم ، ومن لم يعتبر هذه العلل أجازها .

المسألة الثالثة .

[ الشركة في صنف واحد ربوي ] .

وأما الشركة بالطعام من صنف واحد : فأجازها ابن القاسم قياسا على إجماعهم على جوازها في الصنف الواحد من الذهب ، أو الفضة ، ومنعها مالك في أحد قوليه - وهو المشهور - بعدم المناجزة الذي يدخل فيه; إذ رأى أن الأصل هو أن لا يقاس على موضع الرخصة بالإجماع .

وقد قيل : إن وجه كراهية مالك لذلك أن الشركة تفتقر إلى الاستواء في القيمة ، والبيع يفتقر إلى الاستواء في الكيل ، فافتقرت الشركة بالطعامين من صنف واحد إلى استواء القيمة ، والكيل ، وذلك لا يكاد يوجد ، فكره مالك ذلك ، فهذا هو استواء القيمة ، والكيل ، وذلك لا يكاد يوجد ، فكره مالك ذلك ، فهذا هو اختلافهم في جنس محل الشركة .

واختلفوا هل من شرط مال الشركة أن يختلطا إما حسا ، وإما حكما ، مثل أن يكونا في صندوق واحد وأيديهما مطلقة عليهما .

وقال الشافعي : لا تصح الشركة حتى يخلطا ماليهما خلطا لا يتميز به مال أحدهما من مال الآخر . وقال أبو حنيفة : تصح الشركة ، وإن كان مال كل واحد منهما بيده .

فأبو حنيفة اكتفى في انعقاد الشركة بالقول . ومالك اشترط إلى ذلك اشتراك التصرف في المال; والشافعي اشترط إلى هذين الاختلاط .

والفقه أن بالاختلاط يكون عمل الشريكين أفضل وأتم; لأن النصح يوجد منه لشريكه كما يوجد لنفسه ، فهذا هو القول في هذا الركن وفي شروطه .

التالي السابق


الخدمات العلمية