صفحة جزء
القول في الشروط .

وأما شروط الرهن : فالشروط المنطوق بها في الشرع ضربان : شروط صحة ، وشروط فساد .

فأما شروط الصحة المنطوق بها في الرهن ( أعني : في كونه رهنا ) فشرطان :

أحدهما : متفق عليه بالجملة ومختلف في الجهة التي هو بها شرط وهو القبض .

والثاني : مختلف في اشتراطه .

فأما القبض : فاتفقوا بالجملة على أنه شرط في الرهن لقوله تعالى : ( فرهان مقبوضة ) . واختلفوا هل هو شرط تمام أو شرط صحة ؟ وفائدة الفرق : أن من قال : شرط صحة قال : ما لم يقع القبض لم يلزم الرهن الراهن . ومن قال : شرط تمام قال : يلزم بالعقد ويجبر الراهن على الإقباض إلا أن يتراخى المرتهن عن المطالبة حتى يفلس الراهن ، أو يمرض ، أو يموت . فذهب مالك إلى أنه من شروط التمام ، وذهب أبو حنيفة ، والشافعي ، وأهل الظاهر إلى أنه من شروط الصحة .

وعمدة مالك : قياس الرهن على سائر العقود اللازمة بالقول . وعمدة الغير : قوله تعالى : ( فرهان مقبوضة ) .

وقال بعض أهل الظاهر : لا يجوز الرهن إلا أن يكون هنالك كاتب لقوله تعالى : ( ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة ) . ولا يجوز أهل الظاهر أن يوضع الرهن على يدي عدل .

وعند مالك : أن من شرط صحة الرهن استدامة القبض ، وأنه متى عاد إلى يد الراهن بإذن المرتهن بعارية ، أو وديعة ، أو غير ذلك ، فقد خرج من اللزوم . وقال الشافعي : ليس استدامة القبض من شرط الصحة .

فمالك عمم الشرط على ظاهره ، فألزم من قوله تعالى : ( فرهان مقبوضة ) وجود القبض واستدامته .

والشافعي يقول : إذا وجد القبض فقد صح الرهن وانعقد ، فلا يحل ذلك إعارته ولا غير ذلك من التصرف فيه كالحال في البيع .

وقد كان الأولى بمن يشترط القبض في صحة العقد أن يشترط الاستدامة ، ومن لم يشترط في الصحة أن لا يشترط الاستدامة .

واتفقوا على جوازه في السفر . واختلفوا في الحضر; فذهب الجمهور إلى جوازه .

وقال أهل الظاهر ، ومجاهد : لا يجوز في الحضر لظاهر قوله تعالى : ( وإن كنتم على سفر ) الآية .

وتمسك الجمهور بما ورد من : " أنه صلى الله عليه وسلم رهن في الحضر " . والقول في استنباط منع الرهن في الحضر من الآية هو من باب دليل الخطاب .

وأما الشرط المحرم الممنوع بالنص فهو : أن يرهن الرجل رهنا على أنه إن جاء بحقه عند أجله ، وإلا فالرهن له : فاتفقوا على أن هذا الشرط يوجب الفسخ ، وأنه معنى قوله عليه الصلاة والسلام : " لا يغلق الرهن " .

التالي السابق


الخدمات العلمية