صفحة جزء
الباب الثاني .

متى يخرجون من الحجر ، ومتى يحجر عليهم ، وبأي شروط يخرجون ؟

والنظر في هذا الباب في موضعين : في وقت خروج الصغار من الحجر ، ووقت خروج السفهاء . فنقول : إن الصغار بالجملة صنفان : ذكور ، وإناث ، وكل واحد من هؤلاء إما ذو أب ، وإما ذو وصي ، وإما مهمل ، وهم الذين يبلغون ولا وصي لهم ولا أب .

فأما الذكور الصغار ذوو الآباء : فاتفقوا على أنهم لا يخرجون من الحجر إلا ببلوغ سن التكليف وإيناس الرشد منهم ، وإن كانوا قد اختلفوا في الرشد ما هو ، وذلك لقوله تعالى : ( وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم ) . واختلفوا في الإناث : فذهب الجمهور إلى أن حكمهن في ذلك حكم الذكور ( أعني : بلوغ المحيض ، وإيناس الرشد ) . وقال مالك : هي في ولاية أبيها - في المشهور عنه - حتى تتزوج ، ويدخل بها زوجها ، ويؤنس رشدها ، وروي عنه مثل قول الجمهور . ولأصحاب مالك في هذا أقوال غير هذه ، قيل : إنها في ولاية أبيها حتى يمر بها سنة بعد دخول زوجها بها ، وقيل : حتى يمر بها عامان ، وقيل : حتى تمر سبعة أعوام .

وحجة مالك : أن إيناس الرشد لا يتصور من المرأة إلا بعد اختبار الرجال . وأما أقاويل أصحابه فضعيفة مخالفة للنص ، والقياس : أما مخالفتها النص : فإنهم لم يشترطوا الرشد . وأما مخالفتها للقياس : فلأن الرشد ممكن تصوره منها قبل هذه المدة المحدودة .

وإذا قلنا على قول مالك لا على قول الجمهور : إن الاعتبار في الذكور ذوي الآباء البلوغ ، وإيناس الرشد ، فاختلف قول مالك إذا بلغ ولم يعلم سفهه من رشده ، وكان مجهول الحال : فقيل عنه : إنه محمول على السفه حتى يتبين رشده ، وهو المشهور . وقيل عنه : إنه محمول على الرشد حتى يتبين سفهه .

فأما ذوو الأوصياء : فلا يخرجون من الولاية في المشهور عن مالك إلا بإطلاق وصيه له من الحجر ( أي : يقول فيه إنه رشيد ) إن كان مقدما من قبل الأب بلا خلاف ، أو بإذن القاضي مع الوصي إن كان مقدما من غير الأب على اختلاف في ذلك . وقد قيل في وصي الأب : إنه لا يقبل قوله في أنه رشيد إلا حتى يعلم رشده ، وقد قيل : إن حاله مع الوصي كحاله مع الأب يخرجه من الحجر إذا آنس منه الرشد ، وإن لم يخرجه وصيه بالإشهاد ، وإن المجهول الحال في هذا حكمه حكم المجهول الحال ذي الأب .

وأما ابن القاسم فمذهبه أن الولاية غير معتبر ثبوتها إذا علم الرشد ، ولا سقوطها إذا علم السفه ، وهي [ ص: 625 ] رواية عن مالك ، وذلك من قوله في اليتيم لا في البكر .

والفرق بين المذهبين : أن من يعتبر الولاية يقول أفعاله كلها مردودة وإن ظهر رشده حتى يخرج من الولاية ، وهو قول ضعيف ، فإن المؤثر هو الرشد لا حكم الحاكم .

وأما اختلافهم في الرشد ما هو ؟ فإن مالكا يرى أن الرشد هو تثمير المال وإصلاحه فقط ، والشافعي يشترط مع هذا صلاح الدين .

وسبب اختلافهم : هل ينطلق اسم الرشد على غير صالح الدين ؟

وحال البكر مع الوصي كحال الذكر ، لا يخرج من الولاية إلا بالإخراج ما لم تعنس على اختلاف في ذلك ، وقيل : حالها مع الوصي كحالها مع الأب ، وهو قول ابن الماجشون . ولم يختلف قولهم إنه لا يعتبر فيها الرشد كاختلافهم في اليتيم .

وأما المهمل من الذكور : فإن المشهور أن أفعاله جائزة إذا بلغ الحلم كان سفيها متصل السفه ، أو غير متصل السفه ، معلنا به أو غير معلن . وأما ابن القاسم فيعتبر نفس فعله إذا وقع ، فإن كان رشدا جاز ، وإلا رده .

فأما اليتيمة التي لا أب لها ولا وصي : فإن فيها في المذهب قولين :

أحدهما : أن أفعالها جائزة إذا بلغت المحيض . والثاني : أن أفعالها مردودة ما لم تعنس ، وهو المشهور .

التالي السابق


الخدمات العلمية