صفحة جزء
( ميراث الأب والأم )

وأجمع العلماء على أن الأب إذا انفرد كان له جميع المال ، وأنه إذا انفرد الأبوان كان للأم الثلث وللأب الباقي لقوله تعالى : ( وورثه أبواه فلأمه الثلث ) .

وأجمعوا على أن فرض الأبوين من ميراث ابنهما إذا كان للابن ولد أو ولد ابن السدسان ، أعني أن لكل واحد منهما السدس لقوله تعالى : ( ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد ) . والجمهور على أن الولد هو الذكر دون الأنثى وخالفهم في ذلك من شذ .

وأجمعوا على أن الأب لا ينقص مع ذوي الفرائض من السدس وله ما زاد .

[ ص: 674 ] وأجمعوا من هذا الباب على أن الأم يحجبها الإخوة من الثلث إلى السدس لقوله تعالى : ( فإن كان له إخوة فلأمه السدس ) . واختلفوا في أقل ما يحجب الأم من الثلث إلى السدس من الإخوة ، فذهب علي - رضي الله عنه - وابن مسعود إلى أن الإخوة الحاجبين هما اثنان فصاعدا ، وبه قال مالك وذهب ابن عباس إلى أنهم ثلاثة فصاعدا ، وأن الاثنين لا يحجبان الأم من الثلث إلى السدس ، والخلاف آيل إلى أقل ما ينطلق عليه اسم الجمع .

فمن قال : أقل ما ينطلق عليه اسم الجمع ثلاثة قال : الإخوة الحاجبون ثلاثة فما فوق . ومن قال : أقل ما ينطلق عليه اسم الجمع اثنان قال : الإخوة الحاجبون هما اثنان أعني في قوله تعالى : ( فإن كان له إخوة ) ، ولا خلاف أن الذكر والأنثى يدخلان تحت اسم الإخوة في الآية وذلك عند الجمهور . وقال بعض المتأخرين لا أنقل الأم من الثلث إلى السدس بالأخوات المنفردات ; لأنه زعم أنه ليس ينطلق عليهن اسم الإخوة إلا أن يكون معهن أخ لموضع تغليب المذكر على المؤنث ، إذ اسم الإخوة هو جمع أخ ، والأخ مذكر .

واختلفوا من هذا الباب فيمن يرث السدس الذي تحجب عنه الأم بالإخوة ، وذلك إذا ترك المتوفى أبوين وإخوة ، فقال الجمهور : ذلك السدس للأب مع الأربعة الأسداس . وروي عن ابن عباس أن ذلك السدس للإخوة الذين حجبوا ، وللأب الثلثان ; لأنه ليس في الأصول من يحجب ولا يأخذ ما حجب إلا الإخوة مع الآباء ، وضعف قوم الإسناد بذلك عن ابن عباس ، وقول ابن عباس هو القياس .

واختلفوا من هذا الباب في التي تعرف بالغراوين ، ( وهي فيمن ترك زوجة وأبوين ، أو زوجا وأبوين ) ، فقال الجمهور : في الأولى للزوجة الربع ، وللأم ثلث ما بقي ، وهو الربع من رأس المال ، وللأب ما بقي وهو النصف ، وقالوا في الثانية : للزوج النصف وللأم ثلث ما بقي وهو السدس من رأس المال ، وللأب ما بقي وهو السدسان ، وهو قول زيد ، والمشهور من قول علي - رضي الله عنه - .

وقال ابن عباس في الأولى : للزوجة الربع من رأس المال ، وللأم الثلث منه أيضا ; لأنها ذات فرض ، وللأب ما بقي لأنه عاصب ، وقال أيضا في الثانية : للزوج النصف ، وللأم الثلث ; لأنها ذات فرض مسمى ، وللأب ما بقي ، وبه قال شريح القاضي وداود ، وابن سيرين وجماعة .

وعمدة الجمهور أن الأب والأم لما كانا إذا انفردا بالمال كان للأم الثلث وللأب الباقي ، وجب أن يكون الحال كذلك فيما بقي من المال ، كأنهم رأوا أن يكون ميراث الأم أكثر من ميراث الأب خروجا عن الأصول .

وعمدة الفريق الآخر أن الأم ذات فرض مسمى والأب عاصب ، والعاصب ليس له فرض محدود مع ذي الفروض ، بل يقل ويكثر .

وما عليه الجمهور من طريق التعليل أظهر ، وما عليه الفريق الثاني مع عدم التعليل أظهر ، وأعني بالتعليل ههنا أن يكون أحق سببي الإنسان أولى بالإيثار ( أعني : الأب من الأم ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية