صفحة جزء
ميراث الجد

وأجمع العلماء على أن الأب يحجب الجد وأنه يقوم مقام الأب عند عدم الأب مع البنين ، وأنه عاصب مع ذوي الفرائض .

واختلفوا هل يقوم مقام الأب في حجب الإخوة الشقائق ، أو حجب الإخوة للأب ؟ فذهب ابن عباس وأبو بكر - رضي الله عنهما وجماعة إلى أنه يحجبهم ، وبه قال أبو حنيفة ، وأبو ثور ، والمزني ، وابن سريج من أصحاب الشافعي ، وداود وجماعة . واتفق علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وزيد بن ثابت ، وابن مسعود على توريث الإخوة مع الجد ، إلا أنهم اختلفوا في كيفية ذلك على ما أقوله بعد . [ ص: 677 ] وعمدة من جعل الجد بمنزلة الأب اتفاقهما في المعنى ( أعني من قبل أن كليهما أب للميت ) ومن اتفاقهما في كثير من الأحكام التي أجمعوا على اتفاقهما فيها حتى إنه قد روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال : أما يتقي الله زيد بن ثابت يجعل ابن الابن ابنا ، ولا يجعل أب الأب أبا . وقد أجمعوا على أنه مثله في أحكام أخر سوى الفروض ، منها أن شهادته لحفيده كشهادة الأب وأن الجد يعتق على حفيده كما يعتق الأب على الابن ، وأنه لا يقتص له من جد كما لا يقتص له من أب .

وعمدة من ورث الأخ مع الجد أن الأخ أقرب إلى الميت من الجد ; لأن الجد أبو أبي الميت ، والأخ ابن أبي الميت ، والابن أقرب من الأب . وأيضا فما أجمعوا عليه من أن ابن الأخ يقدم على العم ، وهو يدلي بالأب ، والعم يدلي بالجد .

فسبب الخلاف تعارض القياس في هذا الباب .

فإن قيل : فأي القياسين أرجح بحسب النظر الشرعي ؟ قلنا : قياس من ساوى بين الأب والجد ، فإن الجد أب في المرتبة الثانية أو الثالثة ، كما أن الابن ابن في المرتبة الثانية أو الثالثة ، وإذا لم يحجب الابن الجد وهو يحجب الإخوة ، فالجد يجب أن يحجب من يحجب الابن ، والأخ ليس بأصل للميت ولا فرع ، وإنما هو مشارك له في الأصل ، والأصل أحق بالشيء من المشارك له في الأصل ، والجد ليس هو أصلا للميت من قبل الأب بل هو أصل أصله ، والأخ يرث من قبل أنه فرع لأصل الميت ، فالذي هو أصل لأصله أولى من الذي هو فرع لأصله ، ولذلك لا معنى لقول من قال إن الأخ يدلي بالبنوة ، والجد يدلي بالأبوة ، فإن الأخ ليس ابنا للميت وإنما هو ابن أبيه ، والجد أبو الميت ، والبنوة إنما هي أقوى في الميراث من الأبوة في الشخص الواحد بعينه ( أعني : الموروث ) . وأما البنوة التي تكون لأب موروث ، فليس يلزم أن تكون في حق الموروث أقوى من الأبوة التي تكون لأب الموروث ; لأن الأبوة التي لأب الموروث هي أبوة ما للموروث ( أعني : بعيدة ) ، وليس البنوة التي لأب الموروث بنوة ما للموروث لا قريبة ولا بعيدة .

فمن قال الأخ أحق من الجد ; لأن الأخ يدلي بالشيء الذي من قبله كان الميراث بالبنوة وهو الأب ، والجد يدلي بالأبوة هو قول غالط مخيل ، لأن الجد أب ما ، وليس الأخ ابنا ما .

وبالجملة الأخ لاحق من لواحق الميت ، وكأنه أمر عارض والجد سبب من أسبابه ، والسبب أملك للشيء من لاحقه .

واختلف الذين ورثوا الجد مع الإخوة في كيفية ذلك . فتحصيل مذهب زيد في ذلك أنه لا يخلو أن يكون معه سوى الإخوة ذو فرض مسمى أو لا يكون .

فإن لم يكن معه ذو فرض مسمى أعطي الأفضل له من اثنين ، إما ثلث المال ، وإما أن يكون كواحد من الإخوة الذكور ، وسواء كان الإخوة ذكرانا أو إناثا أو الأمرين جميعا فهو مع الأخ الواحد يقاسمه المال ، وكذلك مع الاثنين ومع الثلاثة والأربعة يأخذ الثلث ، وهو مع الأخت الواحدة إلى الأربع يقاسمهن للذكر مثل حظ الأنثيين ، ومع الخمس أخوات له الثلث ; لأنه أفضل له من المقاسمة ، فهذه هي حاله مع الإخوة فقط دون غيرهم .

وأما إن كان معهم ذو فرض مسمى فإنه يبدأ بأهل الفروض فيأخذون فروضهم ، فما بقي أعطي الأفضل [ ص: 678 ] له من ثلاث : إما ثلث ما بقي بعد حظوظ ذوي الفرائض ، وإما أن يكون بمنزلة ذكر من الإخوة ، وإما أن يعطى السدس من رأس المال لا ينقص منه ، ثم ما بقي يكون للإخوة للذكر مثل حظ الأنثيين في الأكدرية على ما سنذكر مذهبه فيها مع سائر مذاهب العلماء .

وأما علي - رضي الله عنه - فكان يعطي الجد الأحظى له من السدس أو المقاسمة ، وسواء كان مع الجد والإخوة غيرهم من ذوي الفرائض أو لم يكن ، وإنما لم ينقصه من السدس شيئا ; لأنهم لما أجمعوا أن الأبناء لا ينقصونه منه شيئا كان أحرى أن لا ينقصه الإخوة .

وعمدة قول زيد أنه لما كان يحجب الإخوة للأم فلم يحجب عما يجب لهم وهو الثلث ، وبقول زيد قال مالك ، والشافعي ، والثوري ، وجماعة ، وبقول علي - رضي الله عنه - قال أبو حنيفة .

وأما الفريضة التي تعرف بالأكدرية وهي امرأة توفيت وتركت زوجا وأما وأختا شقيقة وجدا ; فإن العلماء اختلفوا فيها ، فكان عمر - رضي الله عنه - وابن مسعود يعطيان للزوج النصف وللأم السدس وللأخت النصف وللجد السدس ، وذلك على جهة العول .

وكان علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وزيد يقولان للزوج النصف وللأم الثلث وللأخت النصف وللجد السدس فريضة ، إلا أن زيدا يجمع سهم الأخت والجد ، فيقسم ذلك بينهم للذكر مثل حظ الأنثيين ، وزعم بعضهم أن هذا ليس من قولزيد ، وضعف الجميع التشريك الذي قال به زيد في هذه الفريضة ، وبقول زيد قال مالك .

وقيل إنما سميت الأكدرية لتكدر قول زيد فيها ، وهذا كله على مذهب من يرى العول ، وبالعول قال جمهور الصحابة وفقهاء الأمصار ، إلا ابن عباس فإنه روي عنه أنه قال : أعال الفرائض عمر بن الخطاب ، وايم الله لو قدم من قدم الله وأخر من أخر الله ما عالت فريضة ، وقيل له : وأيها قدم الله ، وأيها أخر الله ؟ قال : كل فريضة لم يهبطها الله عز وجل عن موجبها إلا إلى فريضة أخرى فهي ما قدم الله ، وكل فريضة إذا زالت عن فرضها لم يكن لها إلا ما بقي فتلك التي أخر الله فالأول مثل الزوجة والأم ، والمتأخر مثل الأخوات والبنات ، قال : فإذا اجتمع الصنفان بدئ من قدم الله ، فإن بقي شيء فلمن أخر الله ، وإلا فلا شيء له ، قيل له : فهلا قلت هذا القول لعمر : قال : هبته .

وذهب زيد إلى أنه إذا كان مع الجد والإخوة الشقائق إخوة لأب ، أن الإخوة الشقائق يعادون الجد بالإخوة للأب ، فيمنعونه بهم كثرة الميراث ، ولا يرثون مع الإخوة الشقائق شيئا إلا أن يكون الشقائق أختا واحدة ، فإنها تعادي الجد بأخوتها للأب ما بينهما ، وبين أن تستكمل فريضتها - وهي النصف - ، وإن كان فيما يحاز لها ولإخوتها لأبيها فضل عن نصف رأس المال كله ، فهو لإخوتها لأبيها للذكر مثل حظ الأنثيين ; فإن لم يفضل شيء على النصف فلا ميراث لهم .

فأما علي - رضي الله عنه - فكان لا يلتفت هنا للإخوة للأب للإجماع ، على أن الإخوة الشقائق يحجبونهم ; ولأن هذا الفعل أيضا مخالف للأصول ، ( أعني : أن يحتسب بمن لا يرث ) .

واختلف الصحابة - رضي الله عنه من هذا الباب في الفريضة التي تدعى الخرقاء ، ( وهي : أم وأخت وجد ) على خمسة أقوال .

فذهب أبو بكر - رضي الله عنه - وابن عباس إلى أن للأم الثلث والباقي للجد وحجبوا به الأخت ، وهذا [ ص: 679 ] على رأيهم في إقامة الجد مقام الأب .

وذهب علي - رضي الله عنه - إلى أن للأم الثلث وللأخت النصف وما بقي للجد .

وذهب عثمان إلى أن للأم الثلث وللأخت الثلث وللجد الثلث .

وذهب ابن مسعود إلى أن للأخت النصف وللجد الثلث وللأم السدس ، وكان يقول : معاذ الله أن أفضل أما على جد .

وذهب زيد إلى أن للأم الثلث وما بقي بين الجد والأخت للذكر مثل حظ الأنثيين .

التالي السابق


الخدمات العلمية