صفحة جزء
[ جر الولاء ]

ومن مسائلهم المشهورة في هذا الباب المسألة التي تعرف بجر الولاء ، وصورتها أن يكون عبد له بنون من أمة ، فأعتقت الأمة ثم أعتق العبد بعد ذلك ; فإن العلماء اختلفوا لمن يكون ولاء البنين إذا أعتق الأب ؟ وذلك أنهم اتفقوا على أن ولاءهم بعد عتق الأم إذا لم يمس المولود الرق في بطن أمه ، وذلك يكون إذا تزوجها العبد بعد العتق وقبل عتق الأب هو لموالي الأم .

واختلفوا إذا أعتق الأب هل يجر ولاء بنيه لمواليه أم لا يجر ؟ فذهب الجمهور ومالك ، وأبو حنيفة ، والشافعي ، وأصحابهم إلى أنه يجر ، وبه قال علي - رضي الله عنه - وابن مسعود والزبير ، وعثمان بن عفان .

وقال عطاء ، وعكرمة ، وابن شهاب وجماعة : لا يجر ولاءه . وروي عن عمر ، وقضى به عبد الملك بن [ ص: 692 ] مروان لما حدثه به قبيصة بن ذؤيب عن عمر بن الخطاب ، وإن كان قد روي عن عمر مثل قول الجمهور .

وعمدة الجمهور أن الولاء مشبه بالنسب ، والنسب للأب دون الأم .

وعمدة الفريق الثاني أن البنين لما كانوا في الحرية تابعين لأمهم كانوا في موجب الحرية تابعين لها ، وهو الولاء .

وذهب مالك إلى أن الجد يجر ولاء حفدته إذا كان أبوهم عبدا ، إلا أن يعتق الأب ، وبه قال الشافعي وخالفه في ذلك الكوفيون واعتمدوا في ذلك على أن ولاء الجد إنما يثبت لمعتق الجد على البنين من جهة الأب ، وإذا لم يكن للأب ولاء فأحرى أن لا يكون للجد .

وعمدة الفريق الثاني أن عبودية الأب هي كموته فوجب أن ينتقل الولاء إلى أبي الأب .

ولا خلاف بين من يقول بأن الولاء للعصبة فيما أعلم أن الأبناء أحق من الآباء ، وأنه لا ينتقل إلى العمود الأعلى إلا إذا فقد العمود الأسفل بخلاف الميراث ; لأن البنوة عندهم أقوى تعصيبا من الأبوة ، والأب أضعف تعصيبا ، والإخوة وبنوهم أقعد عند مالك من الجد ، وعند الشافعي وأبي حنيفة الجد أقعد منهم .

وسبب الخلاف من أقرب نسبا وأقوى تعصيبا وليس يورث بالولاء جزء مفروض وإنما يورث تعصيبا ، فإذا مات المولى الأسفل ولم يكن له ورثة أصلا ، أو كان له ورثة لا يحيطون بالميراث كان عاصبه المولى الأعلى ، وكذلك يعصب المولى الأعلى كل من للمولى الأعلى عليه ولادة نسب ( أعني : بناته وبنيه وبني بنيه ) .

[ من ماتت ولها ولاء وولد وعصبة لمن ينتقل الولاء ؟ ]

وفي هذا الباب مسألة مشهورة وهي : إذا ماتت امرأة ولها ولاء وولد وعصبة لمن ينتقل الولاء ؟ فقالت طائفة : لعصبتها لأنهم الذين يعقلون عنها ، والولاء للعصبة ، وهو قول علي بن أبي طالب ، وقال قوم : لابنها ، وهو قول عمر بن الخطاب ، وعليه فقهاء الأمصار ، وهو مخالف لأهل هذا السلف ; لأن ابن المرأة ليس من عصبتها .

تم كتاب الفرائض والولاء والحمد لله حق حمده .

التالي السابق


الخدمات العلمية