صفحة جزء
[ أحكام الكتابة ]

وأما الأحكام فكثيرة ، وكذلك الشروط التي تجوز فيها من التي لا تجوز . ويشبه أن تكون أجناس الأحكام الأولى في هذا العقد هو أن يقال : متى يعتق المكاتب ومتى يعجز فيرق ، وكيف حاله إن مات قبل أن يعتق أو يرق ، ومن يدخل معه في حال الكتابة ممن لا يدخل ، وتمييز ما بقي عليه من حجر الرق مما لم يبق عليه . فلنبدأ بذكر مسائل الأحكام المشهورة التي في جنس من هذه الأجناس الخمسة .

الجنس الأول

[ متى يعتق المكاتب ؟ ] فأما متى يخرج من الرق ؟ فإنهم اتفقوا على أنه يخرج من الرق إذا أدى جميع الكتابة ، واختلفوا إذا عجز عن البعض وقد أدى البعض ، فقال الجمهور : هو عبد ما بقي من كتابته شيء ، وأنه يرق إذا عجز عن البعض . وروي عن السلف المتقدم سوى هذا القول الذي عليه الجمهور أقوال أربعة :

أحدها : أن المكاتب يعتق بنفس الكتابة .

والثاني : أنه يعتق منه بقدر ما أدى .

والثالث : أنه يعتق إن أدى النصف فأكثر .

والرابع : إن أدى الثلث وإلا فهو عبد .

وعمدة الجمهور ما خرجه أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " أيما عبد كاتب على مائة أوقية فأداها إلا عشرة أواق فهو عبد ، وأيما عبد كاتب على مائة دينار فأداها إلا عشرة فهو عبد " .

[ ص: 704 ] وعمدة من رأى أنه يعتق بنفس عقد الكتابة تشبيهه إياه بالبيع ، فكأن المكاتب اشترى نفسه من سيده ، فإن عجز لم يكن له إلا أن يتبعه بالمال ، كما لو أفلس من اشتراه منه إلى أجل وقد مات .

وعمدة من رأى أنه يعتق منه بقدر ما أدى ما رواه يحيى بن كثير عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " يؤدي المكاتب بقدر ما أدى دية حر وبقدر ما رق منه دية عبد " خرجه النسائي ، والخلاف فيه من قبل عكرمة ، كما أن الخلاف في أحاديث عمرو بن شعيب من قبل أنه روي من صحيفة ، وبهذا القول قال علي ( أعني : بحديث ابن عباس ) . وروي عن عمر بن الخطاب أنه إذا أدى الشطر عتق . وكان ابن مسعود يقول : إذا أدى الثلث . وأقوال الصحابة وإن لم تكن حجة ، فالظاهر أن التقدير إذا صدر منهم أنه محمول على أن في ذلك سنة بلغتهم .

وفي المسألة قول خامس : إذا أدى الثلاثة الأرباع عتق ، وبقي عديما في باقي المال . وقد قيل إن أدى القيمة فهو غريم ، وهو قول عائشة ، وابن عمر ، وزيد بن ثابت . والأشهر عن عمر وأم سلمة هو مثل قول الجمهور ، وقول هؤلاء هو الذي اعتمده فقهاء الأمصار ، وذلك أنه صحت الرواية في ذلك عنهم صحة لا شك فيها ، روى ذلك مالك في موطئه . وأيضا فهو أحوط لأموال السادات ; ولأن في المبيعات يرجع في عين المبيع له إذا أفلس المشتري .

التالي السابق


الخدمات العلمية