صفحة جزء
بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما .

كتاب التدبير

والنظر في التدبير : في أركانه ، وفي أحكامه .

أما الأركان فهي أربعة : المعنى ، واللفظ ، والمدبر ، والمدبر .

[ ص: 711 ] وأما الأحكام فصنفان : أحكام العقد ، وأحكام المدبر .

[ أركان التدبير ]

الركن الأول فنقول : أجمع المسلمون على جواز التدبير ، وهو أن يقول السيد لعبده : أنت حر عن دبر مني ، أو يطلق فيقول : أنت مدبر ، وهذان هما عندهم لفظا التدبير باتفاق .

والناس في التدبير والوصية على صنفين : منهم من لم يفرق بينهما ، ومنهم من فرق بين التدبير والوصية بأن جعل التدبير لازما والوصية غير لازمة .

والذين فرقوا بينهما اختلفوا في مطلق لفظ الحرية بعد الموت هل يتضمن معنى الوصية ؟ أو حكم التدبير ؟ ( أعني : إذا قال : أنت حر بعد موتي ) ، فقال مالك : إذا قال وهو صحيح : أنت حر بعد موتي فالظاهر أنه وصية ، والقول قوله في ذلك ، ويجوز رجوعه فيها إلا أن يريد التدبير . وقال أبو حنيفة : الظاهر من هذا القول التدبير وليس له أن يرجع فيه ، وبقول مالك قال ابن القاسم ، وبقول أبي حنيفة قال أشهب قال : إلا أن يكون هنالك قرينة تدل على الوصية ، مثل أن يكون على سفر أو يكون مريضا ، وما أشبه ذلك من الأحوال التي جرت العادة أن يكتب الناس فيها وصاياهم .

فعلى قول من لا يفرق بين الوصية والتدبير - وهو قول الشافعي ومن قال بقوله - هذا اللفظ هو من ألفاظ صريح التدبير . وأما على مذهب من يفرق فهو إما من كنايات التدبير ، وإما ليس من كناياته ولا من صريحه ، وذلك أن ما يحمله على الوصية فليس هو عنده من كناياته ولا من صريحه ، ومن يحمله على التدبير وينويه في الوصية فهو عنده من كناياته .

وأما المدبر فإنهم اتفقوا على أن الذي يقبل هذا العقد هو كل عبد صحيح العبودية ليس يعتق على سيده سواء ملك كله أو بعضه . واختلفوا في حكم من ملك بعضا فدبره :

فقال مالك : يجوز ذلك ، وللذي لم يدبر حظه خياران : أحدهما أن يتقاوماه ، فإن اشتراه الذي دبره كان مدبرا كله ، وإن لم يشتره انتقض التدبير ، والخيار الثاني أن يقومه عليه الشريك .

وقال أبو حنيفة : للشريك الذي لم يدبر ثلاث خيارات : إن شاء استمسك بحصته ، وإن شاء استسعى العبد في قيمة الحصة التي له فيه وإن شاء قومها على شريكه إن كان موسرا ، وإن كان معسرا استسعى العبد .

وقال الشافعي : يجوز التدبير ولا يلزم شيء من هذا كله ، ويبقى العبد المدبر نصفه أو ثلثه على ما هو عليه ، فإذا مات مدبره عتق منه ذلك الجزء ولم يقوم الجزء الباقي منه على السيد على ما يفعل في سنة العتق ; لأن المال قد صار لغيره وهم الورثة ، وهذه المسألة هي من الأحكام لا من الأركان ( أعني : أحكام المدبر ) ، فلتثبت في الأحكام .

وأما المدبر فاتفقوا على أن من شروطه أن يكون مالكا تام الملك غير محجور عليه سواء كان صحيحا أو مريضا ، وإن من شرطه أن لا يكون ممن أحاط الدين بماله ; لأنهم اتفقوا على أن الدين يبطل التدبير . واختلفوا في تدبير السفيه . فهذه هي أركان هذا الباب .

التالي السابق


الخدمات العلمية