صفحة جزء
[ ص: 283 ]

لنا : القطع بجواز قول السيد لعبده : خط هذا الثوب ، أو ابن هذه الحائط ، لا أوجبهما عليك جميعا ، ولا واحدا معينا ، بل أنت مطيع بفعل أيهما شئت . ولأن النص ورد في خصال الكفارة بلفظ ( أو ) ، وهي للتخيير والإبهام .

قالوا : فإن استوت الخصال بالإضافة إلى مصلحة المكلف وجبت ، وإلا اختص بعضها بذلك ، فيجب .


قوله : " لنا : القطع " هذا حين الشروع في أدلة المسألة .

وتقرير هذا الدليل : أن ما ذكرناه من إيجاب واحد غير معين جائز عقلا وشرعا .

أما عقلا ، فلأن السيد يجوز أن يقول لعبده : " خط هذا الثوب ، أو ابن هذا الحائط ، لا أوجبهما عليك جميعا ، ولا واحدا " منهما " معينا ، بل أنت مطيع بفعل أيهما شئت " فهذا واجب مخير ، لأنه نفى وجوب الجميع ، ووجوب المعين ، وقد سبق أن الواجب عليه فعله أحدهما ، فلا يصح أن الواجب منهما ما يفعله العبد ، إذ يلزم أن قبل فعله لم يجب عليه شيء ، وهو مناقض لسبق الوجوب عليه ، فتعين أن الواجب عليه واحد غير معين يعينه باختياره وهو المطلوب .

وأما شرعا ، فلأن النص ورد في خصال كفارة اليمين بلفظ ( أو ) ، وهي للتخيير والإبهام ، فيقتضي أن الواجب منها واحد مخير ، كما قاله الجمهور ، وهو المطلوب . واستدلالنا ههنا على الجواز الشرعي ، وقد ثبت الوقوع ، وهو مستلزم للجواز .

قلت : وفي الاستدلال على الجواز بالوقوع نظر ، لأنه إن كان في المسألة خصم منازع ، كان دعوى الوقوع محل النزاع ، بل هو يقول : الواجب في خصال الكفارة الجميع ، لأنها فرد من أفراد محل النزاع . [ ص: 284 ]

تنبيه : هذه المسألة ، إنما وضعها الأصوليون لأجل خصال الكفارة ، وما أشبهها من الأحكام التخييرية ، ولهذا لا تكاد تجد أحدا منهم يمثل إلا بها . وبعضهم يذكر قوله سبحانه وتعالى : ففدية من صيام أو صدقة أو نسك [ البقرة : 196 ] في فدية الحلق في الإحرام .

وتمسك الجمهور في التخيير إنما هو بلفظ " أو " في الكفارة وشبهها ، فينبغي لنا تحقيق القول في معنى " أو " لغة ، ثم فيما ينبني عليه من الأحكام شرعا ، إذ كان الشيخ أبو محمد لم يعقد لحروف المعاني بابا مفردا على عادة أكثر الأصوليين ، يذكر أحكام " أو " وغيرها من الحروف فيه ، وتابعته على ذلك .

أما الكلام على " أو " من حيث اللغة ، فأنا ألخص أقوال من وقفت على قوله من أهل العلم فيها ، وأنبه على ما في كلامهم مما ينبغي التنبيه عليه . وقد سبق الوعد مني بذكر أقسام " أو " عند تعريف الحكم بأنه خطاب الله تعالى بالاقتضاء ، أو التخيير .

فقال القرافي : " أو " لها خمسة معان : الإباحة والتخيير ، نحو : اصحب العلماء أو الزهاد ، فلك الجمع بينهما ، وخذ الثوب أو الدينار ، فليس لك الجمع [ ص: 285 ] بينهما ، والشك ، نحو : جاءني زيد أو عمرو ، وأنت لا تدري الآتي منهما ، والإبهام نحو : جاءني زيد أو عمرو ، وأنت تعلم الآتي منهما ، وإنما قصدت الإبهام على السامع خشية مفسدة التعيين . والتنويع : نحو : العدد إما زوج أو فرد ، قاله المبرد .

قلت : ومقتضى تقسيمه ، أن الإباحة والتخيير قسمان من أقسامها الخمسة ، وكلامه نص في ذلك .

والتحقيق ، أنهما قسم واحد ، كما سيأتي في كلام المبرد إن شاء الله تعالى ، لأن حقيقة الإباحة هي التخيير ، بأن يقال : إن شئت افعل كذا ، وإن شئت لا تفعل .

هذا هو معناها على كل قول ، فجعلهما قسمين يوهم أن بينهما تفاوتا ، وليس كذلك . وأما ما ذكره من جواز الجمع بين العلماء والزهاد في الصحبة ، دون الثوب والدينار في الأخذ ، فليس ذلك من وضع اللفظ ، وإنما هو من قرينة عرفية ، وهو أن الجمع بين صحبة العلماء والزهاد لا خسارة فيه ولا نقص ، بل هو زيادة في دين الآمر والمأمور ومروءتهما ، بخلاف أخذ الثوب والدينار ، فإن اجتماعهما للمأمور نقص في مالية الآمر ، إذا كان بائعا أو واهبا ونحوه ، وهو في العرف لا يوثر ذلك ، وهذا كله مشار إليه في كتاب المبرد ، في كتاب " حروف القرآن " ، له عند قوله تعالى : أو كصيب من السماء [ البقرة : 19 ] ، حيث قال : وأو ، تكون لأحد الشيئين أو الأشياء ، وتكون للإباحة ، وأصل ذلك واحد . [ ص: 286 ]

قلت : تبين بهذا ما قلته ، من أن الإباحة والتخيير قسم واحد .

ثم قال المبرد في المثال : تقول : جالس زيدا أو عمرا أو خالدا ، أي : كل واحد من هؤلاء أهل للمجالسة ، فإن جالست الجميع ، فأنت مطيع ، وإن جالست واحدا لم تعص . فإذا قلت : خذ مني ثوبا أو دينارا ، فالمعنى أن كل واحد منهما أهل لأن تأخذه ، ولكن المعطي يمنعك ، فإنهما واحد في أن كل واحد منهما مرضي ، إلا أن لأحدهما مانعا .

قلت : قوله : ولكن المعطي يمنعك ، يعني الجمع بين الثوب والدينار ، وليس في كلام القائل ما يدل على المنع إلا قرينة العرف التي ذكرناها ، وإلا فلفظ " أو " معناها في الصورتين واحد .

وقال الجوهري : أو : حرف ، إذا دخل على الخبر دل على الشك والإبهام ، وإذا دخل على الأمر والنهي ، دل على التخيير والإباحة . فالشك كقولك : رأيت زيدا أو عمرا ، والإبهام ، كقوله تعالى : وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين [ سبأ : 24 ] ، والتخيير ، كقولك : كل السمك أو اشرب اللبن ، أي : لا تجمع بينهما ، والإباحة كقولك : جالس الحسن أو ابن سيرين .

قلت : فقد فرق بين التخيير والإباحة ، حيث أفرد كل واحدة منهما بلفظ [ ص: 287 ] ومثال . وكذلك ابن جني في " اللمع " وغيره فرقوا بينهما ، فكأنهم يرون جواز الجمع في الإباحة دون التخيير .

قلت : وإنما ذلك للقرينة العرفية كما ذكرت ، فإن الجمع بين السمك واللبن في الأكل مضر مذموم من جهة الطب ، بخلاف الجمع بين الحسن وابن سيرين في المجالسة ، فلذلك فهموا الفرق ، لا لمعنى خاص بالتخيير دون الإباحة .

وقال ابن قتيبة في " مشكل القرآن " : " أو " تأتي للشك نحو : رأيت عبد الله أو محمدا ، وتكون للتخيير ، كما في آية الكفارة ، وفدية الحلق ، وتلاهما .

قلت : وقد لاح من كلام الجوهري وغيره الفرق بين الإباحة والتخيير ، وبقية معاني " أو " ، وأن الإباحة والتخيير ، في الطلب ، والشك والإبهام والتنويع ، في الخبر . وصرح القرافي بهذا الفرق بينهما .

قلت : وقد ذكر أهل اللغة ، أن " أو " جاءت على غير بابها في اقتضائها أحد الشيئين في مواضع متعددة ، نذكر منها ما تيسر ، ونبين أنها جارية على مقتضى " أو " في أصل الباب ، وأن خلاف ذلك إما تسامح ، أو وهم ممن قاله .

وقد قال ابن جني في " اللمع " - وهو من فحول أهل اللغة وأئمتهم - : وأين وقعت " أو " فهي لأحد الشيئين . وكذلك حكى القاضي أبو يعلى في " العدة " عن أحمد رحمه الله . وهذا هو الأصل المختار ، وهو حمل ألفاظ الكتاب والسنة على مقتضياتها الظاهرة المشهورة في عرف أهل اللغة ، ما لم يمنع منه مانع قاطع أو راجح ، ولا يتسارع إلى تحريفها عن موضوعاتها بأدنى احتمال ، فمن المواضع [ ص: 288 ] المذكورة ما ذكره ابن قتيبة في قوله سبحانه وتعالى : فالملقيات ذكرا عذرا أو نذرا [ المرسلات : 5 - 6 ] ، لعله يتذكر أو يخشى [ طه : 44 ] ، لعلهم يتقون أو يحدث لهم ذكرا [ طه : 113 ] ، أن " أو " في هذه المواضع عند المفسرين بمعنى واو النسق .

قلت : وتوجيهها على أصل الباب ، أنها في قوله سبحانه وتعالى : عذرا أو نذرا للتنويع ، ومعناه أن الملائكة تلقي الذكر إلى الأنبياء منوعا ، أي : إعذار من الله تعالى إليهم ، وإنذار لهم . والكلام هنا في سياق القسم ، كأنه سبحانه وتعالى قال : أقسمت بالملائكة الملقيات الذكر ، إعذارا أو إنذارا ، أي ذلك شئت أيها النبي ، أو شئتم أيها الكافرون ، فهو قسم عظيم ، كقوله : فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم [ الواقعة : 75 - 76 ] ، وكقوله تعالى : قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا [ الإسراء : 110 ] ، أي : بأيهما دعوته فهو عظيم ، وهو الله سبحانه وتعالى . وأما قوله تعالى : فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى [ طه : 44 ] ، فمعناه : ألينا له القول ، على رجاء منكما أحد الأمرين منه ، تذكره أو خشيته ، لأن المقصود - وهو إيمانه - يترتب غالبا على كل واحد منهما ، لأن من خشي الله تعالى آمن به ، ومن تذكر وأجاد النظر ، ترتب على تذكره العلم بالوحدانية ، ثم ترتب على ذلك العلم الإيمان .

وكذا الكلام في قوله تعالى : لعلهم يتقون أو يحدث - يعني القرآن - لهم ذكرا [ طه : 113 ] أي : صرفنا لهم الوعيد في القرآن ، وعاملناهم [ ص: 289 ] معاملة من يرجو منهم ، أو لهم أحد الأمرين : التقوى أو إحداث الذكرى ، لأن المقصود يحصل بكل واحد منهما ، بالتقوى بغير واسطة ، أو بالذكر بواسطة التقوى ، لأن من حدث له ذكر ونظر ، اتقى الله غالبا ، كما سبق .

ومنها ما ذكره ابن قتيبة أيضا في قوله تعالى : وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب [ النحل : 77 ] ، وأرسلناه إلى مئة ألف أو يزيدون [ الصافات : 147 ] ، فكان قاب قوسين أو أدنى [ النجم : 9 ] فقال : ذهب بعضهم إلى أن " أو " في هذه الآيات ، بمعنى بل ، على مذهب التدارك لكلام غلط فيه . قال : وليس كما تأولوا ، بل هي في هذه المواضع بمعنى الواو .

قلت : وتوجيه هذه الآيات على أصل الباب .

أما قوله سبحانه وتعالى : كلمح البصر أو هو أقرب فمعناه - والله أعلم - : لو كشف لكم عن أمر الساعة وسرعته ، لترددتم : هل هو كلمح البصر أو أقرب منه .

وأما قوله تعالى : إلى مئة ألف أو يزيدون ، فقد ذكر الجوهري فيها قولين :

أحدهما : أنها بمعنى بل يزيدون ، وأنشد عليه قول ذي الرمة :


بدت مثل قرن الشمس في رونق الضحى وصورتها أو أنت في العين أملح

أي : بل أنت .

والقول الثاني : أنها على أصلها في التردد والشك بالنسبة إلى المخاطبين : أي : لو رأيتموهم ، لترددتم . هل هم مائة ألف أو يزيدون ؟ قال المبرد : هو كقوله عز وجل : [ ص: 290 ] يرونهم مثليهم رأي العين [ آل عمران : 13 ] ، قال : هذا كقولك : رأيت زيدا أو عمرا ، لأن ههنا المرئي ليس إلا واحدا منهما ، لا يجتمع أحدهما مع الآخر ، وههنا قد ثبت مائة ألف مع الزيادة عليها على تقدير تحققها . هذا معنى كلامه في هذا . قلت وأما بيت ذي الرمة ، فهو متجه على أصل الباب ، لأن مقصوده منه أن محبوبته لفرط جمالها يتردد الناظر بينها وبين صورة الشمس أيهما أملح ، كما قال الآخر :


فوالله ما أدري أأنت كما أرى     أم العين مزهو إليها حبيبها

أي : إني متردد في أمرك ، فما أدري : هل بجمالك الذي أدركه تحقق في نفس الأمر ، أو أن ذلك يخيل إلي لفرط حبي إياك ؟

ومنها قوله سبحانه وتعالى : أو كصيب من السماء [ البقرة : 19 ] ، زعم بعضهم أنها بمعنى الواو ، وبعضهم بمعنى بل ، تقديره : مثلهم كمثل المستوقد والصيب ، أو كمثل المستوقد بل الصيب ، وليس بشيء ، بل هي على أصلها في التخيير ، كأن الله سبحانه وتعالى قال للمخاطبين : قد علمتم حال هؤلاء المنافقين ، فلكم أن تجعلوا مثلهم كمثل المستوقد ، أو الصيب ، لأن تمثلهم بكل واحد منهما صحيح مطابق .

ومنها قوله تعالى : ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة [ ص: 291 ] [ البقرة : 74 ] ، كما ذكر في قوله : ويزيدون زعم بعضهم أنها كالتي قبلها ، بمعنى الواو ، أو بل ، وهو ضعيف أيضا ، وتخرجهما على أصل الباب من وجهين ذكرهما المبرد :

أحدهما : أن التقدير : لو كشف لكم عن قلوبكم في قساوتها ، لترددتم ، هل هي كالحجارة أو أشد قسوة ؟ كما ذكر في قوله : أو يزيدون .

والثاني : أنها للتنويع . والمعنى : أن بعضكم قلوبهم كالحجارة ، وبعضكم قلوبهم أقسى ، كما يقال : أتيت بني فلان ، فما رأيت إلا فقيها أو قارئا .

هذا حاصل كلامه ، والوجه الأول ، لا يتحصل منه إلا بالقوة . وذكر الجوهري أن " أو " تكون بمعنى " إلى " كقولك : لأضربنه أو يتوب .

قلت : وهذه هي التي ينتصب بعدها الفعل المضارع بإضمار " أن " ، وأمثلتها كثيرة ، وهي راجعة إلى أصل الباب ، لأن التقدير : لأخيرنه بين التوبة والضرب . وحقيقة المعنى على ذلك ، كما قال الأعشى :


خسفان ثكل وغدر أنت بينهما     فاختر وما فيهما حظ لمختار

وكذلك قول امرئ القيس :


[ فقلت له لا تبك عينك ] إنما     نحاول ملكا أو نموت فنعذرا

أي : غاية سعينا ومحاولتنا أحد شيئين : إما الملك ، أو الموت دونه فنعذر . [ ص: 292 ]

فأما قوله سبحانه وتعالى : ولا تطع منهم آثما أو كفورا [ الإنسان : 24 ] ، فلم يحضرني الآن كلام أحد فيه ، إلا القاضي أبا يعلى في " العدة " فقال : " أو " إذا كانت في الخبر ، فهي للشك ، وإذا كانت في الطلب والأمر فهي للتخيير ، وإذا كانت في النهي ، فقد تكون للجمع ، كقوله تعالى : ولا تطع منهم آثما أو كفورا . وقيل : تكون للتخيير ، لأن النهي أمر بالترك ، وأيهما ترك كان مطيعا ، وهو الصحيح .

قلت : أما التخيير في هذه الآية ، فضعيف ، لأنه - عليه السلام - مأمور بمعصية الآثم منهم والكفور جميعا ، فلا يخرج عن العهدة بمعصية أحدهما .

وأما في غير الآية ، فالتخيير محتمل ، نحو : لا تأكل خبزا أو تمرا ، أو لا تصحب زيدا أو عمرا . أي : أنت منهي عن أكل أو صحبة أحدهما أيهما شئت .

ومعنى كون النهي بأو للجمع ، ما ذكره المبرد في أثناء كلامه على قوله تعالى : أو كصيب من السماء [ البقرة : 19 ] ، وهو قوله : والنهي أن تقول : لا تجالس زيدا أو عمرا ، ليس فيهما رضى ، فإن جالسهما أو أحدهما على الانفراد ، أو الاجتماع ، فهو عاص .

قلت : وعلى هذا استقر الحكم في الآية المذكورة . وزعم بعضهم أن " أو " فيها [ ص: 293 ] بمعنى ولا ، أي لا تطع منهم آثما ولا كفورا ، تحقيقا لإفادة الجمع ، وهو غلو في التحريف .

وبعضهم قال : هي بمعنى الواو ، وتقديره : لا تطع منهم آثما وكفورا .

وهو ظاهر الفساد ، لأنه يقتضي أنه إنما نهى عن طاعتهما جميعا ، وليس فيه دلالة على النهي عن طاعة أحدهما . والمعنى على أنه منهي عن طاعتهما على الجمع والإفراد .

والأقرب في تخريجهما على أصل الباب ، أنها للتنويع ، إذ من القوم من كان يكذبه ولا يأتمنه على ما يقول ، فهذا كفور ، كأبي جهل وأبي لهب وغيرهما ، ومنهم من كان مصدقا له ظاهرا وباطنا ، ولكن منعه الحياء والنخوة من متابعته ، كأبي طالب وكثير من أهل الكتاب الذين قال الله تعالى فيهم : وإن الذين أوتوا الكتاب ليعلمون أنه الحق من ربهم [ البقرة : 144 ] ، الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم [ البقرة : 146 ] ، فهذا النوع ، منهم آثم ، وليس كافرا من هذه الجهة ، لأنه معتقد للصدق وإنما كفر هذا النوع من جهة أخرى ، وهي الاستكبار والاحتشام عن متابعة الحق ، ككفر إبليس بالاستكبار مع العيان ، فالله تعالى نهاه عن طاعتهم ، ونوعهم له إلى مصدق آثم بالاستكبار ، وإلى [ ص: 294 ] مكذب كافر بالتكذيب ، فتقديره : لا تطع منهم أحدا ، لا من نوع الأثمة ولا من نوع الكفرة . مع أن النوعين يجمعهم الكفر ، لكن جهة كفرهم مختلفة كما بينا ، فهذا ما اتفق من تحقيق القول في معنى " أو " لغة .

ولعل بعض من يقف على هذا الكلام يزعم أني أطنبت فيه ، وخرجت عما أنا بصدده من مسائل الأصول إلى مباحث اللغة ، وإنما قصدت أن أقرر هذه القاعدة ، لأنها من الكليات ، وقد وقع فيها الخلف والاضطراب ، فكان في تحقيق القول فيها كشف اللبس عن الناظر في الكتاب والسنة وغيرهما ، فإن من تدبر تخريجنا للصور المذكورة على أصل الباب في " أو " ، أمكنه أن يخرج على ذلك ما وقع له من الصور التي لم نذكرها ، وإنما وضعنا هذا للمحققين العارفين للعلم والنظر فيه ، ولا عبرة بأهل الضجر وضعف النظر .

وأما ما ينبني على القاعدة المذكورة من الأحكام شرعا ، فمنه الكفارات ، ومنها كفارة الوطء في رمضان ، وهل هي على الترتيب أو التخيير بين عتق رقبة وصيام شهرين متتابعين وإطعام ستين مسكينا ؟ فيه خلاف بين العلماء ، وقولان لأحمد ، أظهرهما الترتيب ، إلحاقا لها بكفارة الظهار قياسا ، ولظاهر حديث الأعرابي حيث بدأ النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه بالعتق ، ثم الصيام ، ثم الإطعام . [ ص: 295 ]

ومنها كفارتا الظهار والقتل ، وهما على الترتيب في الخصال الثلاث ، وما أظن أحدا قال فيهما بالتخيير ، لنص الكتاب على الترتيب بقوله تعالى : فمن لم يجد ، فمن لم يستطع [ المجادلة : 4 ] .

ومنها كفارة اليمين ، وهي تجمع الترتيب والتخيير بنص قوله تعالى : فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة [ المائدة : 89 ] ، فالتخيير بين هذه الثلاث ، والترتيب بينها وبين صيام ثلاثة أيام بقوله تعالى : فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام [ المائدة : 89 ] .

قال القرافي : وللتخيير والترتيب ألفاظ تدل عليهما في اللغة ، والذي رأيته للفقهاء أن صيغة " أو " تقتضي التخيير ، نحو : افعلوا كذا أو كذا ، وكذلك صيغة : افعلوا إما كذا وإما كذا ، وصيغة : من لم يجد ، أو : إن لم تجد كذا فكذا ، تقتضي الترتيب ، وهو ألا يعدل إلى الثاني إلا عند تعذر الأول .

ثم أورد على هذا سؤالا ، وهو أن ما ذكر ، يقتضي أن لا يجوز أو لا يشرع استشهاد رجل وامرأتين إلا عند تعذر رجلين ، عملا بقوله تعالى : واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان [ البقرة : 282 ] ، لكنه خلاف الإجماع ، فيلزم إما أن هذه الصيغة لا تفيد الترتيب ، وهو خلاف ما عليه الفقهاء ، وإما خلاف الإجماع في امتناع استشهاد رجل وامرأتين ، مع وجود رجلين .

ثم أجاب عن هذا السؤال ، بما حاصله : إن التحقيق أن صيغة الشرط ليست منحصرة في دلالتها على الترتيب ، بل كما تفيد الترتيب تارة ، فهي تفيد الحصر أخرى ، كقولنا : من لم يكن حيا ، فهو ميت ، وإن لم يكن زيد متحركا ، فهو ساكن ، [ ص: 296 ] أي حاله منحصرة في الحياة والموت ، والحركة والسكون ، وإذا كانت تصلح للترتيب والحصر لم تتعين لأحدهما إلا بدليل أو قرينة ، فإذا انتفى أحد الأمرين أعني الترتيب أو الحصر ، فيتعين الآخر .

والآية المذكورة ، معناها حصر البينة الشرعية الكاملة ، من الشهادة في الأموال ، في الرجلين ، والرجل والمرأتين . أما الشاهد واليمين ، أو النكول واليمين ، فليس حجة كاملة من الشهادة المحضة ، بل منها ومن غيرها ، وهو اليمين مع الشاهد .

قلت : هذا حاصل جوابه ، وهو جيد ، غير أن قوله : صيغة الشرط لا تحسن إلا في الترتيب والحصر ، فإذا انتفى أحدهما تعين الآخر ، فيه نظر ، بل قد جاءت لمعنى آخر ، وهو التسوية في أصل المقصود بين الأمرين ، وإن تفاوتا في كماله .

كقول امرئ القيس وقد أغير على أمواله فلم يسلم له إلا أعنز :

إذا ما لم يكن غنم فمعزى     كأن قرون جلتها عصي
فتملأ بيتنا أقطا وسمنا     وحسبك من غنى شبع وري

أي : المقصود من الغنم حاصل من المعزى ، وإن كان من الغنم أكمل ، وهذا المعنى بالآية أنسب ، أي : مقصود الشاهدين حاصل من الرجل والمرأتين ، وإن كان من الرجلين أكمل ، لبعدهما عن الغلط ، واحتياجهما إلى التذاكر . كما قال تعالى في المرأتين : أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى [ البقرة : 282 ] ، ولهذا قلنا : لا يترجح الرجلان على رجل وامرأتين عند التعارض ، لحصول أصل [ ص: 297 ] المقصود ، وإن كان الترجيح بذلك يتعدى تحصيلا لكمال المقصود .

ومنها : فدية حلق الرأس في الإحرام ، ولا أعلم خلافا في أنه إذا كان لعذر أنها على التخيير ، لقوله سبحانه وتعالى : فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك [ البقرة : 196 ] ، ولحديث كعب بن عجرة ، وكان معذورا ، فيه نزلت الآية ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : احلق رأسك ، وانسك نسيكة ، أو صم ثلاثة أيام ، أو أطعم ستة مساكين وإن كان لغير عذر ، فاختلف فيه ، وعن أحمد فيه روايتان : التخيير للفظ الآية ، والترتيب تغليظا على الحالق لغير عذر ، وتخصيصا للتخيير بسبب الآية ، وهو حال العذر .

ومنها ، الفدية في جزاء الصيد المقتول في الإحرام . وفيه قولان عن أحمد : أحدهما : أنها مخيرة ، لقوله تعالى : ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم إلى قوله : أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما [ المائدة : 95 ] .

والقول الثاني : أنها مرتبة . إن تعذر مثل الصيد أطعم ، فمن لم يجد الإطعام ، صام . ووجه هذا القول ، إلحاقها بالكفارات المرتبة ، لكن ظاهر النص خلافه ، فيكون قياسا مصادما للنص .

ومنها ، المستحاضة المتحيرة تجلس ستا أو سبعا ، لقوله عليه السلام لحمنة [ ص: 298 ] بنت جحش كانت مستحاضة : تحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله ، فهذه صيغة تخيير ، لكنه تخيير اجتهاد ، لا تخيير تشه ، ومعناه : أنها تجتهد في الست والسبع ، فأيهما غلب على ظنها جلسته ، إذ لو كان تخييرا محضا ، للزم منه جواز أن تجلس سبعا مع غلبة ظنها أن حيضها ست ، وذلك يفضي إلى تجويز ترك الصلاة في زمن غلب على ظنها وجوبها فيه ، وليس بجائز ، فيرجع حاصل الأمر في هذا المكان ، إلى أن " أو " إما إبهامية ، لأن أحد المقدارين من الزمان قد استبهم على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وعليها أن تتعين للجلوس فيه ، لأن ذلك مما لا يمكن ضبط له ، وقد يشتبه عليها . وإما تنويعية : أي : الزمن الذي تجلسين فيه شرعا ، يتنوع إلى ستة وسبعة ، فاجلسي أحدهما بالاجتهاد .

ومنه في البيوع : بيعتين في بيعة ، نحو : بعتك بعشرة نقدا ، أو بعشرين نسيئة ، فلا يصح عند الأكثرين للجهالة ، وأجازه قوم ، ويصلح أن يحتج له بقوله تعالى حكاية عن موسى - عليه السلام - : أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي [ القصص : 28 ] ، بناء على شرع من قبلنا ، إذ هو في معنى قوله : تزوجت ابنتك على أن أرعى لك ثماني أو عشر سنين ، وعلى هذا الاحتجاج كلام لا يخفى . [ ص: 299 ] وكذلك قوله : بعتك هذا الثوب أو هذا ، وأنكحتك هذه المرأة أو هذه ، فلا يصح ، لاقتضاء " أو " أحد الشيئين . وشرط صحة ذلك التعيين ، ونظائر هذا كثيرة .

ومنه في الطلاق : إذا قال لثلاث نسوة : هذه أو هذه وهذه طالق ، فالمذهب أن الثالثة تطلق مع إحدى الأولتين ، وتخرج بالقرعة ، وقيل : بل يقرع بين الأولى وبين الأخريين معا ، فإن وقعت القرعة على الأولى طلقت وحدها ، وإن وقعت على الأخريين طلقتا جميعا دون الأولى .

قلت : ومأخذ الخلاف : أن التردد بأو في هذه المسألة ، هل هو بين الأوليين ، فتكون إحداهما المطلقة مع الثالثة ، أو بين الأولى وحدها والأخريين معا ، فيكون الحكم ما ذكرنا ويكون التقدير على الأول إحدى هاتين طالق وهذه الثالثة طالق ، أو يكون التقدير هذه أو هذه الثالثة طالق ، وهذه الثالثة طالق فطلاق الثالثة مقطوع به ، والتردد في إحدى الأولتين ؟

وعلى القول الثاني تقديره : هذه الأولى طالق ، أو هاتان الأخريان طالقتان فالتردد بين طلاق الأولى وحدها ، وطلاق الأخريين معا . وعلى القولين يطلق [ ص: 300 ] منهما اثنتان بالجملة ، لكن على الأول تطلق إحدى الأولتين مع الثالثة ولا بد ، وعلى الثاني تطلق إما الأولى وحدها ، وإما الأخريان ، فطلاق الاثنتين على هذا القول هو على أحد تقديرين . والقول الأول أرجح .

ورجحانه مستمد من قاعدة عربية ، وهي : أن خبر المبتدأ يجب أن يكون مطابقا له في الجمع والإفراد ، فنقول : الزيدون قائمون ، ولا يجوز قائم ، وزيد قائم ، ولا يجوز قائمون ، وتقول : زيد أو عمرو قائم ، ولا يجوز قائمان ، لأن الإخبار عن أحدهما ، وزيد وعمرو قائمان ، ولا يجوز قائم ، لأن الإخبار عنهما جميعا ، كما لا تقول : الزيدان قائم إلا بتقدير تكرار الخبر تقديرا ، وهو خلاف الأصل .

إذا ثبت هذا ، فتقدير المسألة على القول الأول هذه أو هذه طالق وهذه ، فالخبران مطابقان . وتقديرها على الثاني : هذه طالق ، أو هذه وهذه طالق ، فالخبر في الجملة الثانية غير مطابق ، بل يجب أن يقال : أو هذه وهذه طالقتان ، لأن الإخبار بالطلاق عنهما جميعا لا عن إحداهما ، فهذا كشف المسألة . وإن بقي فيها عليك توقف فاستخرجه بالنظر ، فإذا هو قد ظهر .

أما لو قال لإحدى زوجتيه أو أمتيه : أنت أو هذه طالق أو حرة ، احتمل أن تطلق وتعتق المخاطبة تغليبا لجانب المخاطب لسبقه ، واحتمل أن يقرع بينهما ، قطعا لإشكال التردد بالقرعة . [ ص: 301 ]

ومنه الحكم في قطاع الطريق المستفاد من قوله تعالى : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض [ المائدة : 33 ] ، فظاهر الآية أن الإمام مخير أي ذلك شاء فعل بهم . وحكى ابن البنا في شرح الخرقي هذا التخيير عن سعيد بن المسيب ومجاهد والحسن وعطاء . قلت : هو نظر إلى اقتضاء " أو " التخيير ، ومنع الجمهور من حملها على التخيير ، لأن القتل إذا جاز تركه لم يجز فعله احتياطا للدماء . وإلى هذا أشار أحمد رحمه الله في رواية ابنه عبد الله بقوله : ومن أخاف السبيل ولم يقتل نفي ، ولا يكون السلطان مخيرا في قتله . وهؤلاء حملوا " أو " في هذه بهذا الدليل على التنويع ، أي : إن عذاب المحاربين يتنوع بحسب تنوع أفعالهم .

فمذهب أحمد أنه إن أخاف السبيل إخافة مجردة ، نفي كما تقدم ، وإن أخذ المال أخذا مجردا ، قطع فيما يقطع فيه السارق ، وإن قتل ولم يأخذ المال ، قتل ، وفي صلبه قولان . وإن قتل وأخذ المال ، قتل وصلب ، ومذهب الشافعي كذلك .

ومذهب أبي حنيفة رحمه الله أنهم إذا قصدوا قطع الطريق ، وأخذوا قبل أن يأخذوا مالا ، أو يقتلوا نفسا ، حبسهم الإمام حتى يتوبوا ، وإن أخذوا من مال مسلم أو ذمي ما يقطع فيه السارق ، قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف ، وإن قتلوا ولم [ ص: 302 ] يأخذوا مالا ، قتلوا حدا ، لا يسقطه عفو أولياء من قتلوه ، وإن قتلوا ، وأخذوا المال ، فالإمام مخير : إن شاء قتلهم ، وإن شاء صلبهم ثلاثة أيام فما دون ، يصلب أحدهم حيا ، ويبعج بطنه برمح حتى يموت ، وإن شاء ، قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ، وقتلهم وصلبهم .

ومنه أن موجب العمد أحد شيئين : القصاص أو الدية ، ومستنده قوله - صلى الله عليه وسلم - : فمن قتل له قتيل بعد اليوم ، فأهله بين خيرتين : إما أن يقتلوا ، أو يأخذوا العقل ، وفي لفظ : من قتل له قتيل ، فهو بخير النظرين ، إما أن يعفو ، وإما أن يقتل ولهذا الأصل فروع تقع في كتاب الجنايات .

ومن فروع التخيير أن العبد إذا جنى خطأ ، فسيده مخير بين فدائه وتسليمه في الجناية ، فإن اختار فداءه ، فالواجب عليه أقل الأمرين من قيمته ، أو أرش جنايته ، وله فداؤه بأيهما شاء ، لأنه إن أدى أقلهما ، فهو الواجب ، وإن أدى أكثرهما ، فقد التزم ضرر الزيادة ، وهو لا يمنع ، وإن استوت القيمة والأرش ، صار التخيير ضروريا ، إذ لا أقل ، فيجب ، ولا أكثر ، فيلزم ضرورة ، وإن سلمه ، فأبى ولي الجناية قبوله ، وقال : بعه أنت ، فهل يلزمه ذلك ؟ فيه قولان : أشبههما : لا يلزمه ، ويبرأ بالتسليم ، لأنه مخير بين الأمرين ، فيبرأ بأحدهما ، كالتكفير بإحدى الخصال . [ ص: 303 ]

ولو جنى العبد عمدا ، فعفا الولي عن القصاص على رقبة العبد ، فهل يملكه بغير رضا السيد ؟ على قولين : أصحهما لا يملكه بدون رضاه ، لأنه بالعفو عن القصاص صارت جنايته كالموجبة للمال ، والسيد مخير بينه وبين تسليم العبد كما سبق ، وملك الولي لرقبته بدون رضا السيد ينافي التخيير ، وما ذكرناه من هذا فروع مؤنسة بهذا الأصل ، ليتبين للناظر كيف تفرع الأحكام عن أصولها ، واقتناصها منها .

وثم فروع أخر لم أذكرها خشية الإطالة ، وإنما ذكرت هذه المباحث اللغوية والشرعية في أثناء مسألة الواجب المخير قبل كمالها ، لأن ذلك مناسب لقولنا : " ولأن النص ورد في خصال الكفارة بلفظ " أو " وهي للتخيير والإبهام " .

قوله : " قالوا : فإن استوت الخصال " إلى آخره .

هذا دليل القائلين بأن الواجب جميع الخصال . وتقريره : أن خصال الواجب المخير ، إما أن تستوي في تحصيل مصلحة المكلف أو لا تستوي ؟ فإن استوت ، بأن كانت مصلحته مثلا في التكفير بالعتق مثل مصلحته في التكفير بالصيام والإطعام ، لزم أن يكون جميعها واجبا ، لأن اختيار التكفير ببعضها مع تساويها في المصلحة يكون ترجيحا من غير مرجح ، وهو محال ، وإن لم يستو الجميع في المصلحة ، بل اختص بها بعض الخصال ، أو ترجح فيها ، مثل إن اختص العتق [ ص: 304 ] بمصلحة التكفير ، أو كان أرجح في حصولها من الصيام والإطعام ، وجب أن يتعين ذلك البعض فيكون هو الواجب عينا لا على التخيير .

التالي السابق


الخدمات العلمية